وراء ذلك إلى حكمة الإسلام وسياسته في أخذه الناس بالهوادة والرفق والبعد بهم عن غوائل الطفرة والعنف سواء في ذلك هدم ما مردوا عليه من باطل وبناء ما لم يحيطوا بعلمه من حق .
يضاف إلى هاتين الفائدتين فائدة ثالثة هي إظهار مدى العناية التي أحيط بها القرآن الكريم حتى عرف فيه أول ما نزل وآخر ما نزل .
كما عرف مكيه ومدنيه وسفريه وحضريه إلى غير ذلك .
ولا ريب أن هذا مظهر من مظاهر الثقة به ودليل على سلامته من التغيير والتبديل .
لا تبديل لكلمت الله ذلك هو الفوز العظيم 10 يونس 64 .
وليس من غرضنا في هذا الباب أن نتحدث عن أول ما نزل وآخر ما نزل في كل تعليم من تعاليم الإسلام فتلك غاية بعيدة المدى ومجهود طويل جدير أن يفرد بالتأليف وله مواضع أخرى يمكن طلبه منها .
إنما الميسور لنا أن نحدثك عن أمرين .
أحدهما أول ما نزل من القرآن على الإطلاق وآخر ما نزل منه على الإطلاق وهذا هو المقصود المهم .
الثاني نماذج من أول ما نزل في بعض الأحكام التشريعية وآخر ما نزل منها أي أوائل وأواخر إضافية مخصوصة ومقيدة ببعض الأحكام .
أول ما نزل على الإطلاق .
ورد في ذلك أقوال أربعة .
القول الأول وهو أصحها أنه صدر سورة اقرأ باسم ربك الذي خلق 96 العلق 1 إلى قوله سبحانه علم الإنسان ما لم يعلم 96 العلق 5 ودليله ما يأتي .
1 - روى البخاري ومسلم واللفظ للبخاري عن عائشة أم المؤمنين Bها أنها قالت أول ما بدئ به رسول الله من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح .
ثم حبب إليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال إقرأ .
قلت ما أنا بقارئ .
فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني .
فقال اقرأ .
قلت ما أنا بقارئ .
فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ .
قلت ما أنا بقارئ .
فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم 96 العلق 1 - 3 .
وفي بعض الروايات حتى بلغ ما لم يعلم .
فرجع بها إلى خديجة يرجف فؤاده إلى آخر الحديث وهو طويل .
وفلق الصبح