ثم حض الله عليه حضا شديدا في آخر الأمر فنزلت سورة براءة وهي من آخر ما نزل من القرآن .
وفيها قوله سبحانه وقتلوا المشركين كافة كما يقتلونكم كافة 9 التوبة 36 وقوله أنفروا خفافا وثقالا وجهدوا بأمولكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون 9 التوبة 41 وقوله إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير 9 التوبة 39 .
شبهة في هذا المقام .
بقي أن ندحض شبهة أثيرت حول تعيين آخر ما نزل من القرآن .
قالوا لماذا لا تكون آية المائدة آخر ما نزل من القرآن وهي قوله سبحانه اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلم دينا 5 المائدة 3 .
مع أنها صريحة في أنها إعلام بإكمال الله لدينه في ذلك اليوم المشهود الذي نزلت فيه وهو يوم عرفة في حجة الوداع بالسنة العاشرة من الهجرة .
والظاهر أن إكمال دينه لا يكون إلا بإكمال نزول القرآن وإتمام جميع الفرائض والأحكام .
والجواب أن هناك قرآنا نزل بعد هذه الآية حتى بأكثر من شهرين ولعلك لم تنس أن آية وأتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله 2 البقرة 281 كانت آخر الآيات نزولا على الإطلاق وأن النبي عاش بعدها تسع ليال فقط .
وتلك قرينة تمنعنا أن نفهم إكمال نزول القرآن من إكمال الدين في آية المائدة المذكورة .
والأقرب أن يكون معنى إكمال الدين فيها يومئذ هو إنجاحه وإقراره وإظهاره على الدين كله ولو كره الكافرون .
ولا ريب أن الإسلام في حجة الوداع كان قد ظهرت شوكته وعلت كلمته وأديل له على الشرك وحزبه والكفر وجنده والنفاق وحسراته حتى لقد أجلي المشركون عن البلد الحرام ولم يخالطوا المسلمين في الحج والإحرام .
قال ابن جرير في تفسير الآية المذكورة الأولى أن يتأول على أنه أكمل لهم دينهم بإقرارهم بالبلد الحرام وإجلاء المشركين عنه حتى حجه المسلمون لا يخالطهم المشركون وأيد هذا التأويل بما رواه عن ابن عباس قال كان المشركون والمسلمون يحجون جميعا فلما نزلت سورة براءة نفي المشركون عن البيت وحج المسلمون لا يشاركهم في البيت الحرام أحد من المشركين فكان ذلك من تمام النعمة وأتممت عليكم نعمتي .
نسأل الله أن يتم علينا نعمته آمين .
ملاحظة .
لعلك بعد تحقيق أول ما نزل وآخره تستطيع أن تستدرك على ما أسلفناه في المبحث