بأن الترجيح بما فى الصحيحين أو أحدهما إنما هو حيث لا يكون مما انتقده الحفاظ كحديث أبي موسى هذا فإنه أعل بالانقطاع والاضطراب أما الانقطاع فلأن مخرمة بن بكير لم يسمع من أبيه قاله أحمد عن حماد بن خالد عن مخرمة نفسه وكذا قال سعيد بن أبي مريم عن موسى بن سلمة عن مخرمة وزاد إنما هي كتب كانت عندنا وقال على بن المديني لم أسمع أحدا من أهل المدينة يقول عن مخرمة إنه قال في شيء من حديثه سمعت أبي ولا يقال مسلم يكتفى في المعنعن بامكان اللقاء مع المعاصرة وهو كذلك هنا لأنا نقول وجود التصريح عن مخرمة بأنه لم يسمع من أبيه كاف في دعوى الانقطاع وأما الاضطراب فقد رواه أبو إسحاق وواصل الأحدب ومعاوية بن قرة وغيرهم عن أبي بردة من قوله وهؤلاء من أهل الكوفة وأبو بردة كوفي فهم أعلم بحديثه من بكير المدني وهم عدد وهو واحد وأيضا فلو كان عند أبي بردة مرفوعا لم يفت فيه برأيه بخلاف المرفوع ولهذا جزم الدارقطني بأن الموقوف هو الصواب وسلك صاحب الهدى مسلكا آخر فاختار أن ساعة الأجابة منحصرة في أحد الوقتين المذكورين وأن أحدهما لا يعارض الآخر لاحتمال أن يكون صلى الله عليه وسلّم دل على أحدهما في وقت وعلى الآخر في وقت آخر وهذا كقول بن عبد البر الذي ينبغي الاجتهاد في الدعاء في الوقتين المذكورين وسبق إلى نحو ذلك الإمام أحمد وهو أولى في طريق الجمع وقال بن المنير في الحاشية إذا علم أن فائدة الإبهام لهذه الساعة ولليلة القدر بعث الداعي على الإكثار من الصلاة والدعاء ولو بين لاتكل الناس على ذلك وتركوا ما عداها فالعجب بعد ذلك ممن يجتهد في طلب تحديدها وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم فضل يوم الجمعة لاختصاصه بساعة الأجابة وفي مسلم أنه خير يوم طلعت عليه الشمس وفيه فضل الدعاء واستحباب الإكثار منه واستدل به على بقاء الإجمال بعد النبي صلى الله عليه وسلّم وتعقب بان الاختلاف في بقاء الإجمال في الأحكام الشرعية لا في الأمور الوجودية كوقت الساعة فهذا الاختلاف في إجماله والحكم الشرعى المتعلق بساعة الجمعة وليلة القدر وهو تحصيل الأفضلية يمكن الوصول إليه والعمل بمقتضاه باستيعاب اليوم أو الليلة فلم يبق في الحكم الشرعى إجمال والله أعلم فإن قيل ظاهر الحديث حصول الإجابة لكل داع بالشرط المتقدم مع أن الزمان يختلف باختلاف البلاد والمصلى فيتقدم بعض على بعض وساعة الإجابة متعلقة بالوقت فكيف تتفق مع الاختلاف أجيب باحتمال أن تكون ساعة الإجابة متعلقة بفعل كل مصل كما قيل نظيره في ساعة الكراهة ولعل هذا فائدة جعل الوقت الممتد مظنة لها وان كانت هي خفيفة ويحتمل أن يكون عبر عن الوقت بالفعل فيكون التقدير وقت جواز الخطبة أو الصلاة ونحو ذلك والله أعلم .
( قوله باب إذا نفر الناس عن الإمام في صلاة الجمعة الخ ) .
ظاهر الترجمة أن استمرار الجماعة الذين تنعقد بهم الجمعة إلى تمامها ليس بشرط في صحتها بل الشرط أن تبقى منهم بقية ما ولم يتعرض البخاري لعدد من تقوم بهم