لأن يهجر ويعرض عنه فلا يختلط بجماعة السنة تأديبا له على استصحابه حالة الجاهلية التي قبحها الإسلام فهذا أولى من الحمل على ما لا يستفاد منه قدر زائد على الفعل الموجود وحكى عن سفيان أنه كان يكره الخوض في تأويله ويقول ينبغي أن يمسك عن ذلك ليكون أوقع في النفوس وأبلغ في الزجر وقيل المعنى ليس على ديننا الكامل أي أنه خرج من فرع من فروع الدين وأن كان معه أصله حكاه بن العربي ويظهر لي أن هذا النفي يفسره التبري الآتي في حديث أبي موسى بعد باب حيث قال برئ منه النبي صلى الله عليه وسلّم واصل البراءة الانفصال من الشيء وكأنه توعده بأن لا يدخله في شفاعته مثلا وقال المهلب قوله أنا بريء أي من فاعل ما ذكر وقت ذلك الفعل ولم يرد نفيه عن الإسلام قلت بينهما واسطة تعرف مما تقدم أول الكلام وهذا يدل على تحريم ما ذكر من شق الجيب وغيره وكأن السبب في ذلك ما تضمنه ذلك من عدم الرضا بالقضاء فإن وقع التصريح بالاستحلال مع العلم بالتحريم أو التسخط مثلا بما وقع فلا مانع من حمل النفي على الإخراج من الدين قوله لطم الخدود خص الخد بذلك لكونه الغالب في ذلك وإلا فضرب بقية الوجه داخل في ذلك قوله وشق الجيوب جمع جيب بالجيم والموحدة وهو ما يفتح من الثوب ليدخل فيه الرأس والمراد بشقه إكمال فتحه إلى آخره وهو من علامات التسخط قوله ودعا بدعوى الجاهلية في رواية مسلم بدعوى أهل الجاهلية أي من النياحة ونحوها وكذا الندبة كقولهم واجبلاه وكذا الدعاء بالويل والثبور كما سيأتي بعد ثلاثة أبواب .
( قوله باب رثاء النبي صلى الله عليه وسلّم سعد بن خولة ) .
سعد بالنصب على المفعولية وخولة بفتح المعجمة وسكون الواو والرثاء بكسر الراء وبالمثلثة بعدها مدة مدح الميت وذكر محاسنه وليس هو المراد من الحديث حيث قال الراوي يرثى له رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولهذا اعترض الإسماعيلي الترجمة فقال ليس هذا من مراثي الموتى وإنما هو من التوجع يقال رثيته إذا مدحته بعد موته ورثيت له إذا تحزنت عليه ويمكن أن يكون مراد البخاري هذا بعينه كأنه يقول ما وقع من النبي صلى الله عليه وسلّم فهو من التحزن والتوجع وهو مباح وليس معارضا لنهيه عن المراثي التي هي ذكر أوصاف الميت الباعثة على تهييج الحزن وتجديد اللوعه وهذا هو المراد بما أخرجه أحمد وبن ماجة وصححه