ذلك عمر لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام فخشي عمر أن يظن الجهال أن استلام الحجر من باب تعظيم بعض الأحجار كما كانت العرب تفعل في الجاهلية فأراد عمر أن يعلم الناس أن استلامه أتباع لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلّم لا لأن الحجر ينفع ويضر بذاته كما كانت الجاهلية تعتقده في الأوثان وقال المهلب حديث عمر هذا يرد على من قال أن الحجر يمين الله في الأرض يصافح بها عباده ومعاذ الله أن يكون لله جارحة وإنما شرع تقبيله اختيارا ليعلم بالمشاهدة طاعة من يطيع وذلك شبيه بقصة إبليس حيث أمر بالسجود لآدم وقال الخطابي معنى أنه يمين الله في الأرض أن من صافحه في الأرض كان له عند الله عهد وجرت العادة بأن العهد يعقده الملك بالمصافحة لمن يريد موالاته والاختصاص به فخاطبهم بما يعهدونه وقال المحب الطبري معناه أن كل ملك إذا قدم عليه الوافد قبل يمينه فلما كان الحاج أول ما يقدم يسن له تقبيله نزل منزلة يمين الملك ولله المثل الأعلى وفي قول عمر هذا التسليم للشارع في أمور الدين وحسن الأتباع فيما لم يكشف عن معانيها وهو قاعدة عظيمة في أتباع النبي صلى الله عليه وسلّم فيما يفعله ولو لم يعلم الحكمة فيه وفيه دفع ما وقع لبعض الجهال من أن في الحجر الأسود خاصة ترجع إلى ذاته وفيه بيان السنن بالقول والفعل وأن الإمام إذا خشي على أحد من فعله فساد اعتقاد أن يبادر إلى بيان الأمر ويوضح ذلك وسيأتي بقية الكلام على التقبيل والاستلام بعد تسعة أبواب قال شيخنا في شرح الترمذي فيه كراهة تقبيل ما لم يرد الشرع بتقبيله وأما قول الشافعي ومهما قبل من البيت فحسن فلم يرد به الاستحباب لأن المباح من جملة الحسن عند الأصوليين تكميل اعترض بعض الملحدين على الحديث الماضي فقال كيف سودته خطايا المشركين ولم تبيضه طاعات أهل التوحيد وأجيب بما قال بن قتيبة لو شاء الله لكان ذلك وإنما أجرى الله العادة بأن السواد يصبغ ولا ينصبغ على العكس من البياض وقال المحب الطبري في بقائه أسود عبرة لمن له بصيرة فإن الخطايا إذا أثرت في الحجر الصلد فتأثيرها في القلب أشد قال وروى عن بن عباس إنما غيره بالسواد لئلا ينظر أهل الدنيا إلى زينة الجنة فإن ثبت فهذا هو الجواب قلت أخرجه الحميدي في فضائل مكة بإسناد ضعيف والله أعلم .
( قوله باب إغلاق البيت ويصلي في أي نواحي البيت شاء ) .
أورد فيه حديث بن عمر عن بلال في صلاة النبي صلى الله عليه وسلّم في الكعبة بين العمودين وتعقب بأنه يغاير الترجمة من جهة أنها تدل على التخيير والفعل المذكور يدل على التعيين وأجيب بأنه حمل صلاة النبي صلى الله عليه وسلّم في ذلك الموضع بعينه على سبيل الاتفاق لا على سبيل القصد لزيادة فضل في ذلك المكان على غيره ويحتمل أن يكون مراده أن ذلك الفعل ليس حتما وإن كانت الصلاة في تلك البقعة التي اختارها النبي صلى الله عليه وسلّم أفضل من غيرها ويؤيده ما سيأتي في الباب الذي يليه من تصريح بن عمر بنص الترجمة مع كونه كان يقصد المكان الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلّم ليصلي فيه لفضله وكأن المصنف أشار بهذه الترجمة إلى الحكمة في إغلاق الباب حينئذ وهو أولى من دعوى بن بطال الحكمة فيه لئلا يظن الناس أن ذلك سنة وهو مع ضعفه