من وجب عليه حد القتل فهرب إلى مكة مستجيرا بالحرم وهي مسألة خلاف بين العلماء وأغرب عمرو بن سعيد في سياقه الحكم مساق الدليل وفي تخصيصه العموم بلا مستند قوله بخربة تقدم تفسيره في العلم وأشار بن العربي إلى ضبطه بكسر أوله وبالزاى بدل الراء والتحتانية بدل الموحدة جعله من الخزى والمعنى صحيح لكن لا تساعد عليه الرواية وأغرب الكرماني لما حكى هذا الوجه فأبدل الخاء المعجمة جيما جعله من الجزية وذكر الجزية وكذا الذم بعد ذكر العصيان من الخاص بعد العام قوله خربة بلية هو تفسير من الراوي والظاهر أنه المصنف فقد وقع في المغازي في آخره قال أبو عبد الله الخربة البلية وسبق في العلم في آخره يعني السرقة وهي أحد ما قيل في تأويلها وأصلها سرقة الإبل ثم استعملت في كل سرقة وعن الخليل الخربة الفساد في الإبل وقيل العيب وقيل بضم أوله العورة وقيل الفساد وبفتحه الفعلة الواحدة من الخرابة وهي السرقة وقد وهم من عد كلام عمرو بن سعيد هذا حديثا واحتج بما تضمنه كلامه قال بن حزم لا كرامة للطيم الشيطان يكون أعلم من صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأغرب بن بطال فزعم أن سكوت أبي شريح عن جواب عمرو بن سعيد دال على أنه رجع إليه في التفصيل المذكور ويعكر عليه ما وقع في رواية أحمد أنه قال في آخره قال أبو شريح فقلت لعمرو قد كنت شاهدا وكنت غائبا وقد أمرنا أن يبلغ شاهدنا غائبنا وقد بلغتك فهذا يشعر بأنه لم يوافقه وإنما ترك مشاققته لعجزه عنه لما كان فيه من قوة الشوكة وقال بن بطال أيضا ليس قول عمرو جوابا لأبي شريح لأنه لم يختلف معه في أن من أصاب حدا في غير الحرم ثم لجأ إليه أنه يجوز إقامة الحد عليه في الحرم فان أبا شريح أنكر بعث عمرو الجيش إلى مكة ونصب الحرب عليها فأحسن في استدلاله بالحديث وحاد عمرو عن جوابه وأجابه عن غير سؤاله وتعقبه الطيبي بأنه لم يحد في جوابه وإنما أجاب بما يقتضى القول بالموجب كأنه قال له صح سماعك وحفظك لكن المعنى المراد من الحديث الذي ذكرته خلاف ما فهمته منه فإن ذلك الترخص كان بسبب الفتح وليس بسبب قتل من استحق القتل خارج الحرم ثم استجار بالحرم والذي أنا فيه من القبيل الثاني قلت لكنها دعوى من عمرو بغير دليل لأن بن الزبير لم يجب عليه حد فعاذ بالحرم فرارا منه حتى يصح جواب عمرو نعم كان عمرو يرى وجوب طاعة يزيد الذي استنابه وكان يزيد أمر بن الزبير أن يبايع له بالخلافة ويحضر إليه في جامعة يعنى مغلولا فامتنع بن الزبير وعاذ بالحرم فكان يقال له بذلك عائذ الله وكان عمرو يعتقد أنه عاص بامتناعه من امتثال أمر يزيد ولهذا صدر كلامه بقوله إن الحرم لا يعيذ عاصيا ثم ذكر بقية ما ذكر استطرادا فهذه شبهة عمرو وهي واهية وهذه المسألة التي وقع فيها الاختلاف بين أبي شريح وعمرو فيها اختلاف بين العلماء أيضا كما سيأتي بعد باب في الكلام على حديث بن عباس وفي حديث أبي شريح من الفوائد غير ما تقدم جواز إخبار المرء عن نفسه بما يقتضى ثقته وضبطه لما سمعه ونحو ذلك وانكار العالم على الحاكم ما يغيره من أمر الدين والموعظة بلطف وتدريج والاقتصار في الإنكار على اللسان إذا لم يستطع باليد ووقوع التاكيد في الكلام البليغ وجواز المجادلة في الأمور الدينية وجواز النسخ وأن مسائل الاجتهاد لا يكون فيها مجتهد حجة على مجتهد وفيه الخروج عن عهدة التبليغ والصبر على المكاره لمن لا يستطيع بدا من ذلك وتمسك به من قال أن مكة فتحت عنوة قال النووي تأول من قال فتحت صلحا بأن القتال كان جائزا له لو فعله لكن لم يحتج إليه وتعقب بأنه خلاف الواقع وسيأتي البحث فيه في المغازي وقد تقدمت تسمية القاتل والمقتول في قصة أبي شريح في الكلام على