( قوله باب الكذب في الحرب ) .
ذكر فيه حديث جابر في قصة قتل كعب بن الأشرف وسيأتي مطولا مع شرحه في كتاب المغازي قال بن المنير الترجمة غير مطابقة لأن الذي وقع منهم في قتل كعب بن الأشرف يمكن أن يكون تعريضا لأن قولهم عنانا أي كلفنا بالأوامر والنواهي وقولهم سألنا الصدقة أي طلبها منا ليضعها مواضعها وقولهم فنكره أن ندعه الخ معناه نكره فراقه ولا شك أنهم كانوا يحبون الكون معه أبدا انتهى والذي يظهر أنه لم يقع منهم فيما قالوه بشيء من الكذب أصلا وجميع ما صدر منهم تلويح كما سبق لكن ترجم بذلك لقول محمد بن مسلمة للنبي صلى الله عليه وسلّم أولا ائذن لي أن أقول قال قل فإنه يدخل فيه الإذن في الكذب تصريحا وتلويحا وهذه الزيادة وأن لم تذكر في سياق حديث الباب فهي ثابتة فيه كما في الباب الذي بعده على أنه لو لم يرد ذلك لما كانت الترجمة منافرة للحديث لأن معناها حينئذ باب الكذب في الحرب هل يسوغ مطلقا أو يجوز منه الإيماء دون التصريح وقد جاء من ذلك صريحا ما أخرجه الترمذي من حديث أسماء بنت يزيد مرفوعا لا يحل الكذب الا في ثلاث تحدث الرجل امرأته ليرضيها والكذب في الحرب وفي الإصلاح بين الناس وقد تقدم في كتاب الصلح ما في حديث أم كلثوم بنت عقبة لهذا المعنى من ذلك ونقل الخلاف في جواز الكذب مطلقا أو تقييده بالتلويح قال النووي الظاهر إباحة حقيقة الكذب في الأمور الثلاثة لكن التعريض أولى وقال بن العربي الكذب في الحرب من المستثنى الجائز بالنص رفقا بالمسلمين لحاجتهم إليه وليس للعقل فيه مجال ولو كان تحريم الكذب بالعقل ما انقلب حلالا انتهى ويقويه ما أخرجه أحمد وبن حبان من حديث أنس في قصة الحجاج بن علاط الذي أخرجه النسائي وصححه الحاكم في استئذانه النبي صلى الله عليه وسلّم أن يقول عنه ما شاء لمصلحته في استخلاص ماله من أهل مكة وأذن له النبي صلى الله عليه وسلّم واخباره لأهل مكة أن أهل خيبر هزموا المسلمين وغير ذلك مما هو مشهور فيه ولا يعارض ذلك ما أخرجه النسائي من طريق مصعب بن سعد عن أبيه في قصة عبد الله بن أبي سرح وقول الأنصاري للنبي صلى الله عليه وسلّم لما كف عن بيعته هلا أومأت إلينا بعينك قال ما ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين لأن طريق الجمع بينهما أن المأذون فيه بالخداع والكذب في الحرب حالة الحرب خاصة وأما حال المبايعة فليست بحال حرب كذا قال وفيه نظر لأن قصة الحجاج بن علاط أيضا لم تكن في حال حرب والجواب المستقيم أن تقول المنع مطلقا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلّم فلا يتعاطى شيئا من ذلك وأن كان مباحا لغيره ولا يعارض ذلك ما تقدم من أنه كان إذا أراد غزوة ورى بغيرها فإن المراد أنه كان يريد أمرا فلا يظهره كأن يريد أن يغزو وجهة الشرق فيسأل عن أمر في جهة الغرب ويتجهز للسفر فيظن من يراه ويسمعه أنه يريد جهة الغرب وأما أن يصرح بإرادته الغرب وإنما مراده الشرق فلا والله أعلم وقال بن بطال سألت بعض شيوخي عن معنى هذا الحديث فقال