ولا يبلغون كنهه فيرتابون فيه فيفتنون والله أعلم .
( قوله باب وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ) .
أورد فيه حديث أبي هريرة ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه الحديث وقد تقدم الكلام على شرحه واختلاف ألفاظه في أحاديث الأنبياء وقد طعن صاحب الكشاف في معنى هذا الحديث وتوقف في صحته فقال إن صح هذا الحديث فمعناه أن كل مولود يطمع الشيطان في إغوائه إلا مريم وابنها فإنهما كانا معصومين وكذلك من كان في صفتهما لقوله تعالى إلا عبادك منهم المخلصين قال واستهلال الصبي صارخا من مس الشيطان تخييل لطمعه فيه كأنه يمسه ويضرب بيده عليه ويقول هذا ممن أغويه وأما صفة النخس كما يتوهمه أهل الحشو فلا ولو ملك إبليس على الناس نخسهم لامتلأت الدنيا صراخا انتهى وكلامه متعقب من وجوه والذي يقتضيه لفظ الحديث لا إشكال في معناه ولا مخالفة لما ثبت من عصمة الأنبياء بل ظاهر الخبر أن إبليس ممكن من مس كل مولود عند ولادته لكن من كان من عباد الله المخلصين لم يضره ذلك المس أصلا واستثنى من المخلصين مريم وابنها فإنه ذهب يمس علىعادته فحيل بينه وبين ذلك فهذا وجه الاختصاص ولا يلزم منه تسلطه على غيرهما من المخلصين وأما قوله لو ملك إبليس الخ فلا يلزم من كونه جعل له ذلك عند ابتداء الوضع أن يستمر ذلك في حق كل أحد وقد أورد الفخر الرازي هذا الاشكال وبالغ في تقريره على عادته وأجمل الجواب فما زاد على تقريره أن الحديث خبر واحد ورد على خلاف الدليل لأن الشيطان إنما يغوى من يعرف الخير والشر والمولود بخلاف ذلك وأنه لو مكن من هذا القدر لفعل أكثر من ذلك من أهلاك وإفساد وأنه لا اختصاص لمريم وعيسى بذلك دون غيرهما إلى آخر كلام الكشاف ثم أجاب بان هذه الوجوه محتملة ومع الاحتمال لا يجوز دفع الخبر انتهى وقد فتح الله تعالى بالجواب كما تقدم والجواب عن إشكال الإغواء يعرف مما تقدم أيضا وحاصله أن ذلك جعل علامة في الابتداء على من يتمكن من إغوائه والله أعلم