( قوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الإيمان ) .
هو خبر مبتدأ محذوف تقديره هذا كتاب الإيمان وكتاب مصدر يقال كتب يكتب كتابة وكتابا ومادة كتب دالة على الجمع والضم ومنها الكتيبة والكتابة استعملوا ذلك فيما يجمع أشياء من الأبواب والفصول الجامعة للمسائل والضم فيه بالنسبه إلى المكتوب من الحروف حقيقة وبالنسبة إلى المعاني المرادة منها مجاز والباب موضوعه المدخل فاستعماله في المعاني مجاز والإيمان لغة التصديق وشرعا تصديق الرسول فيما جاء به عن ربه وهذا القدر متفق عليه ثم وقع الاختلاف هل يشترط مع ذلك مزيد أمر من جهة ابداء هذا التصديق باللسان المعبر عما في القلب إذ التصديق من افعال القلوب أو من جهة العمل بما صدق به من ذلك كفعل المامورات وترك المنتهيات كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى والإيمان فيما قيل مشتق من الأمن وفيه نظر لتباين مدلولي الأمن والتصديق الا أن لوحظ فيه معنى مجازي فيقال أمنة إذا صدقه أي أمنة التكذيب ولم يستفتح المصنف بدء الوحي بكتاب لأن المقدمة لا تستفتح بما يستفتح به غيرها لأنها تنطوي على ما يتعلق بما بعدها واختلفت الروايات في تقديم البسمله على كتاب أو تاخيرها ولكل وجه الأول ظاهر ووجه الثاني وعليه أكثر الروايات أنه جعل الترجمة قائمه مقام تسمية السورة والأحاديث المذكورة بعد البسملة كالآيات مستفتحة بالبسملة قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلّم بني الإسلام على خمس سقط لفظ باب من رواية الأصيلي وقد وصل الحديث بعد تاما واقتصاره على طرفه فيه تسمية الشيء باسم بعضه والمراد باب هذا الحديث قوله وهو أي الإيمان قول وفعل ويزيد وينقص وفي رواية الكشميهني قول وعمل وهو اللفظ الوارد عن السلف الذين اطلقوا ذلك ووهم بن التين فظن أن قوله وهو إلى آخره مرفوع لما رآه معطوفا وليس ذلك مراد المصنف وأن كان ذلك ورد بإسناد ضعيف والكلام هنا في مقامين أحدهما كونه قولا وعملا والثاني كونه يزيد وينقص فأما القول فالمراد به النطق بالشهادتين وأما العمل فالمراد به ما هو أعم من عمل القلب والجوارح ليدخل الاعتقاد والعبادات ومراد من ادخل ذلك في تعريف الإيمان ومن نفاه إنما هو بالنظر إلى ما عند الله تعالى فالسلف قالوا هو اعتقاد بالقلب ونطق باللسان وعمل بالأركان وأرادوا بذلك أن الأعمال شرط في كماله ومن هنا نشا لهم القول بالزياده والنقص كما سيأتي والمرجئة قالوا هو اعتقاد ونطق فقط والكراميه قالوا هو نطق فقط والمعتزله قالوا هو العمل والنطق والاعتقاد والفارق بينهم وبين السلف إنهم جعلوا الأعمال شرطا في صحته والسلف جعلوها شرطا في كماله وهذا كله كما قلنا بالنظر إلى ما عند الله تعالى أما بالنظر إلى ما عندنا فالإيمان هو الإقرار فقط فمن أقر أجريت عليه الأحكام في الدنيا ولم يحكم عليه بكفر الا أن اقترن به فعل يدل على كفره كالسجود للصنم فإن كان الفعل لا يدل على الكفر كالفسق فمن أطلق عليه الإيمان فبالنظر إلى إقراره ومن نفى عنه الإيمان فبالنظر إلى كماله ومن أطلق عليه الكفر فبالنظر إلى أنه فعل فعل الكافر ومن نفاه عنه فبالنظر إلى حقيقته واثبتت المعتزله الواسطه فقالوا الفاسق لا مؤمن ولا كافر وأما المقام الثاني فذهب السلف إلى أن الإيمان يزيد وينقص وأنكر ذلك أكثر المتكلمين وقالوا متى قبل ذلك كان شكا قال الشيخ محيي الدين وإلا ظهر المختار أن التصديق يزيد وينقص بكثرة النظر ووضوح الادله ولهذا كان إيمان الصديق أقوى من إيمان غيره بحيث لا يعتريه الشبهه ويؤيده أن كل أحد يعلم أن ما في قلبه يتفاضل حتى أنه يكون في بعض الاحيان الإيمان أعظم يقينا واخلاصا وتوكلا منه في بعضها وكذلك في التصديق والمعرفة بحسب ظهور البراهين وكثرتها وقد نقل محمد بن نصر المروزي