ما يحل وما يحرم فينظر في حكم كل منهما ثم في الآداب المتعلقة بالشرب فبدأ بتبيين المحرم منها لقلته بالنسبة إلى الحلال فإذا عرف ما يحرم كان ما عداه حلالا وقد بينت في تفسير المائدة الوقت الذي نزلت فيه الآية المذكورة وأنه كان في عام الفتح قبل الفتح ثم رأيت الدمياطي في سيرته جزم بأن تحريم الخمر كان سنة الحديبية والحديبية كانت سنة ست وذكر بن إسحاق أنه كان في واقعة بني النضير وهي بعد وقعة أحد وذلك سنة أربع على الراجح وفيه نظر لأن أنسا كما سيأتي في الباب الذي بعده كان الساقي يوم حرمت وأنه لما سمع المنادي بتحريمها بادر فأراقها فلو كان ذلك سنة أربع لكان أنس يصغر عن ذلك وكأن المصنف لمح بذكر الآية إلى بيان السبب في نزولها وقد مضى بيانه في تفسير المائدة أيضا من حديث عمر وأبي هريرة وغيرهما وأخرج النسائي والبيهقي بسند صحيح عن بن عباس أنه لما نزل تحريم الخمر في قبيلتين من الأنصار شربوا فلما ثمل القوم عبث بعضهم ببعض فلما أن صحوا جعل الرجل يرى في وجهه ورأسه الأثر فيقول صنع هذا أخي فلان وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائن فيقول والله لو كان بي رحيما ما صنع بي هذا حتى وقعت في قلوبهم الضغائن فانزل الله D هذه الآية يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر إلى منتهون قال فقال ناس من المتكلفين هي رجس وهي في بطن فلان وقد قتل يوم أحد فانزل الله تعالى ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إلى المحسنين ووقعت هذه الزيادة في حديث أنس في البخاري كما مضى في المائدة ووقعت أيضا في حديث البراء عند الترمذي وصححه ومن حديث بن عباس عند أحمد لما حرمت الخمر قال ناس يا رسول الله أصحابنا الذين ماتوا وهم يشربونها وسنده صحيح وعند البزار من حديث جابر أن الذي سأل عن ذلك اليهود وفي حديث أبي هريرة الذي ذكرته في تفسير المائدة نحو الأول وزاد في آخره قال النبي صلى الله عليه وسلّم لو حرم عليهم لتركوه كما تركتم قال أبو بكر الرازي في أحكام القرآن يستفاد تحريم الخمر من هذه الآية من تسميتها رجسا وقد سمي به ما أجمع على تحريمه وهو لحم الخنزير ومن قوله من عمل الشيطان لأن مهما كان من عمل الشيطان حرم تناوله ومن الأمر بالاجتناب وهو للوجوب وما وجب اجتنابه حرم تناوله ومن الفلاح المرتب على الاجتناب ومن كون الشرب سببا للعداوة والبغضاء بين المؤمنين وتعاطي ما يوقع ذلك حرام ومن كونها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة ومن ختام الآية بقوله تعالى فهل أنتم منتهون فإنه استفهام معناه الردع والزجر ولهذا قال عمر لما سمعها انتهينا انتهينا وسبقه إلى نحو ذلك الطبري وأخرجه الطبراني وبن مردويه وصححه الحاكم من طريق طلحة بن مصرف عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال لما نزل تحريم الخمر مشى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم بعضهم إلى بعض فقالوا حرمت الخمر وجعلت عدلا للشرك قيل يشير إلى قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر الآية فإن الأنصاب والأزلام من عمل المشركين بتزيين الشيطان فنسب العمل إليه قال أبو الليث السمرقندي المعنى أنه لما نزل فيها أنها رجس من عمل الشيطان وأمر باجتنابها عادلت قوله تعالى فاجتنبوا الرجس من الأوثان وذكر أبو جعفر النحاس أن بعضهم استدل لتحريم الخمر بقوله تعالى قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وقد قال تعالى في الخمر والميسر فيهما إثم كبير ومنافع للناس فلما أخبر أن في الخمر إثما كبيرا ثم صرح بتحريم الإثم ثبت تحريم الخمر بذلك قال وقول من قال إن الخمر تسمى الإثم لم نجد له أصلا في الحديث ولا في اللغة ولا دلالة أيضا في قول الشاعر