منافاة بينه وبين الورع بوجه والعسل وإن كان حلالا لكنه من المستلذات التي قد يخشى على صاحبها أن يندرج في قوله تعالى اذهبتم طيباتكم قلت ويحتمل أن يكون السر فيه ما وقع في بعض طرق الإسراء أنه صلى الله عليه وسلّم عطش كما تقدم في بعض طرقه مبينا هناك فأتى بالأقداح فأثر اللبن دون غيره لما فيه من حصول حاجته دون الخمر والعسل فهذا هو السبب الأصلي في إيثار اللبن وصادف مع ذلك رجحانه عليهما من عدة جهات وقد تقدم شيء من هذا في شرح حديث الإسراء قال بن المنير ولا يعكر على ما ذكرته ما سيأتي قريبا أنه كان يحب الحلوى والعسل لأنه إنما كان يحبه مقتصدا في تناوله لا في جعله ديدنا ولا تنطعا ويؤخذ من قول جبريل في الخمر غوت أمتك أن الخمر ينشأ عنها الغي ولا يختص ذلك بقدر معين ويؤخذ من عرض الآنية عليه صلى الله عليه وسلّم إرادة إظهار التيسير عليه وإشارة إلى تفويض الأمور إليه .
( قوله باب استعذاب الماء ) .
بالذال المعجمة أي طلب الماء العذب والمراد به الحلو ذكر فيه حديث أنس في صدقة أبي طلحة لقوله فيه ويشرب من ماء فيها طيب وقد ورد في خصوص هذا اللفظ وهو استعذاب الماء حديث عائشة Bها كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يستعذب له الماء من بيوت السقيا والسقيا بضم المهملة وبالقاف بعدها تحتانية قال قتيبة هي عين بينها وبين المدينة يومان هكذا أخرجه أبو داود عنه بعد سياق الحديث بسند جيد وصححه الحاكم وفي قصة أبي الهيثم بن التيهان أن امرأته قالت للنبي صلى الله عليه وسلّم لما جاءهم يسأل عن أبي الهيثم ذهب يستعذب لنا من الماء وهو عند مسلم كما سأبينه بعد وذكر الواقدي من حديث سلمى امرأة أبي رافع كان أبو أيوب حين نزل عنده النبي صلى الله عليه وسلّم يستعذب له الماء من بئر مالك بن النضر والد أنس ثم كان أنس وهند وحارثة أبناء أسماء يحملون الماء إلى بيوت نسائه من بيوت السقيا وكان رباح الأسود عبده يستقي له من بئر عرس مرة ومن بيوت السقيا مرة قال بن بطال استعذاب الماء لا ينافي الزهد ولا يدخل في الترفه المذموم بخلاف تطييب الماء بالمسك ونحوه فقد كرهه مالك لما فيه من السرف وأما شرب الماء الحلو وطلبه فمباح فقد فعله