كسرها صار مريا وأبرأ بالهمز من البراءة أو من البرء أي يبرىء من الأذى والعطش وأهنأ بالهمز من الهنء والمعنى أنه يصير هنيئا مريا بريا أي سالما أو مبريا من مرض أو عطش أو أذى ويؤخذ من ذلك أنه أقمع للعطش وأقوى على الهضم وأقل أثرا في ضعف الأعضاء وبرد المعدة واستعمال أفعل التفضيل في هذا يدل على أن للمرتين في ذلك مدخلا في الفضل المذكور ويؤخذ منه أن النهي عن الشرب في نفس واحد للتنزيه قال المهلب النهي عن التنفس في الشرب كالنهي عن النفخ في الطعام والشراب من أجل أنه قد يقع فيه شيء من الريق فيعافه الشارب ويتقذره إذ كان التقذر في مثل ذلك عادة غالبة على طباع أكثر الناس ومحل هذا إذا أكل وشرب مع غيره وأما لو أكل وحده أو مع أهله أو من يعلم أنه لا يتقذر شيئا مما يتناوله فلا بأس قلت والأولى تعميم المنع لأنه لا يؤمن مع ذلك أن تفضل فضلة أو يحصل التقذر من الإناء أو نحو ذلك وقال بن العربي قال علماؤنا هو من مكارم الأخلاق ولكن يحرم على الرجل أن يناول أخاه ما يتقذره فإن فعله في خاصة نفسه ثم جاء غيره فناوله إياه فليعلمه فإن لم يعلمه فهو غش والغش حرام وقال القرطبي معنى النهي عن التنفس في الإناء لئلا يتقذر به من بزاق أو رائحة كريهة تتعلق بالماء وعلى هذا إذا لم يتنفس يجوز الشرب بنفس واحد وقيل يمنع مطلقا لأنه شرب الشيطان قال وقول أنس كان يتنفس في الشرب ثلاثا قد جعله بعضهم معارضا للنهي وحمل على بيان الجواز ومنهم من أومأ إلى أنه من خصائصه لأنه كان لا يتقذر منه شيء تكملة أخرج الطبراني في الأوسط بسند حسن عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يشرب في ثلاثة أنفاس إذا أدنى الإناء إلى فيه يسمى الله فإذا أخره حمد الله يفعل ذلك ثلاثا وأصله في بن ماجة وله شاهد من حديث بن مسعود عند البزار والطبراني وأخرج الترمذي من حديث بن عباس المشار إليه قبل وسموا إذا أنتم شربتم واحمدوا إذا أنتم رفعتم وهذا يحتمل أن يكون شاهدا لحديث أبي هريرة المذكور ويحتمل أن يكون المراد به في الابتداء والانتهاء فقط والله أعلم .
( قوله باب الشرب في آنية الذهب ) .
كذا أطلق الترجمة وكأنه استغنى عن ذكر الحكم بما صرح به بعد في كتاب الأحكام أن نهى النبي صلى الله عليه وسلّم علىالتحريم حتى يقوم دليل الإباحة وقد وقع التصريح في حديث الباب بالنهي والإشارة إلى الوعيد على ذلك ونقل بن المنذر الإجماع على تحريم الشرب في آنية الذهب والفضة إلا عن معاوية بن قرة أحد التابعين فكأنه لم يبلغه النهي وعن الشافعي في القديم ونقل عن نصه في حرملة أن النهي فيه للتنزيه لأن علته ما فيه من التشبه بالأعاجم ونص في الجديد على التحريم ومن أصحابه من قطع به عنه وهذا اللائق به لثبوت الوعيد عليه بالنار كما سيأتي في الذي يليه وإذا ثبت ما نقل عنه فلعله كان قبل أن يبلغه الحديث المذكور