( قوله باب السحر ) .
قال الراغب وغيره السحر يطلق على معان أحدها ما لطف ودق ومنه سحرت الصبي خادعته واستملته وكل من استمال شيئا فقد سحره ومنه إطلاق الشعراء سحر العيون لاستمالتها النفوس ومنه قول الأطباء الطبيعة ساحرة ومنه قوله تعالى بل نحن قوم مسحورون أي مصروفون عن المعرفة ومنه حديث أن من البيان لسحرا وسيأتي قريبا في باب مفرد الثاني ما يقع بخداع وتخييلات لا حقيقة لها نحو ما يفعله المشعوذ من صرف الأبصار عما يتعاطاه بخفة يده وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى وقوله تعالى سحروا أعين الناس ومن هناك سموا موسى ساحرا وقد يستعين في ذلك بما يكون فيه خاصية كالحجر الذي يجذب الحديد المسمى المغنطيس الثالث ما يحصل بمعاونة الشياطين بضرب من التقرب إليهم وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر الرابع ما يحصل بمخاطبة الكواكب واستنزال روحانياتها بزعمهم قال بن حزم ومنه ما يوجد من الطلسمات كالطابع المنقوش فيه صورة عقرب في وقت كون القمر في العقرب فينفع إمساكه من لدغة العقرب وكالمشاهد ببعض بلاد الغرب وهي سرقسطة فإنها لا يدخلها ثعبان قط إلا إن كان بغير إرادته وقد يجمع بعضهم بين الأمرين الأخيرين كالاستعانة بالشياطين ومخاطبة الكواكب فيكون ذلك أقوى بزعمهم قال أبو بكر الرازي في الأحكام له كان أهل بابل قوما صابئين يعبدون الكواكب السبعة ويسمونها آلهة ويعتقدون أنها الفعالة لكل ما في العالم وعملوا أوثانا على أسمائها ولكل واحد هيكل فيه صنمه يتقرب إليه بما يوافقه بزعمهم من أدعية وبخور وهم الذين بعث إليهم إبراهيم عليه السلام وكانت علومهم أحكام النجوم ومع ذلك فكان السحرة منهم يستعملون سائر وجوه السحر وينسبونها إلى فعل الكواكب لئلا يبحث عنها وينكشف تمويههم انتهى ثم السحر يطلق ويراد به الآلة التي يسحر بها ويطلق ويراد به فعل الساحر والآلة تارة تكون معنى من المعاني فقط كالرقي والنفث في العقد وتارة تكون بالمحسوسات كتصوير الصورة على صورة المسحور وتارة بجمع الأمرين الحسي والمعنوي وهو أبلغ واختلف في السحر فقيل هو تخبيل فقط ولا حقيقة له وهذا اختيار أبي جعفر الاسترباذي من الشافعية وأبي بكر الرازي من الحنفية وبن حزم الظاهري وطائفة قال النووي والصحيح أن له حقيقة وبه قطع الجمهور وعليه عامة العلماء ويدل عليه الكتاب والسنة الصحيحة المشهورة انتهى لكن محل النزاع هل يقع بالسحر انقلاب عين أو لا فمن قال أنه تخييل فقط منع ذلك ومن قال أن له حقيقة اختلفوا هل له تأثير فقط بحيث يغير المزاج فيكون نوعا من الأمراض أو ينتهي إلى الاحالة بحيث يصير الجاد حيوانا مثلا وعكسه فالذي عليه الجمهور هو الأول وذهبت طائفة قليلة إلى الثاني فإن كان بالنظر إلى القدرة الإلهية فمسلم وإن كان بالنظر إلى الواقع فهو محل الخلاف فأن كثيرا ممن يدعي ذلك لا يستطيع إقامة البرهان عليه ونقل الخطابي أن قوما أنكروا السحر مطلقا وكأنه عني القائلين بأنه تخييل فقط وإلا فهي مكابرة وقال المازري جمهور العلماء على إثبات السحر وأن له حقيقة ونفى بعضهم حقيقته وأضاف ما يقع منه إلى خيالات باطلة وهو مردود لورود النقل بإثبات السحر ولأن العقل لا ينكر أن الله قد يخرق العادة عند نطق الساحر بكلام