( قوله باب الاغتباط في العلم ) .
هو بالغين المعجمة قوله في العلم والحكمة فيه نظير ما ذكرنا في قوله بالموعظة والعلم لكن هذا عكس ذاك أو هو من العطف التفسيرى أن قلنا إنهما مترادفان قوله وقال عمر تفقهوا قبل أن تسودوا هو بضم المثناة وفتح المهملة وتشديد الواو أي تجعلوا سادة زاد الكشميهني في روايته قال أبو عبد الله أي البخاري وبعد أن تسودوا إلى قوله سنهم أما أثر عمر فأخرجه بن أبي شيبة وغيره من طريق محمد بن سيرين عن الأحنف بن قيس قال قال عمر فذكره وإسناده صحيح وإنما عقبه البخاري بقوله وبعد أن تسودوا ليبين أن لا مفهوم له خشية أن يفهم أحد من ذلك أن السيادة مانعة من التفقه وإنما أراد عمر أنها قد تكون سببا للمنع لأن الرئيس قد يمنعه الكبر والاحتشام أن يجلس مجلس المتعلمين ولهذا قال مالك عن عيب القضاء أن القاضي إذا عزل لا يرجع إلى مجلسه الذي كان يتعلم فيه وقال الشافعي إذا تصدر الحدث فاته علم كثير وقد فسره أبو عبيد في كتابه غريب الحديث فقال معناه تفقهوا وأنتم صغار قبل أن تصيروا سادة فتمنعكم الانفة عن الأخذ عمن هو دونكم فتبقوا جهالا وفسره شمر اللغوي بالتزوج فإنه إذا تزوج صار سيد أهله ولا سيما إن ولد له وقيل أراد عمر الكف عن طلب الرياسة لأن الذي يتفقه يعرف ما فيها من الغوائل فيجتنبها وهو حمل بعيد إذ المراد بقوله تسودوا السيادة وهي أعم من التزويج ولا وجه لمن خصصه بذلك لأنها قد تكون به وبغيره من الأشياء الشاغلة لاصحابها عن الاشتغال بالعمل وجوز الكرماني أن يكون من السواد في اللحية فيكون أمرا للشاب بالتفقه قبل أن تسود لحيته أو أمر للكهل قبل أن يتحول سواد اللحية إلى الشيب ولا يخفى تكلفه وقال بن المنير مطابقة قول عمر للترجمة أنه جعل السيادة من ثمرات العلم وأوصى الطالب باغتنام الزيادة قبل بلوغ درجة السيادة وذلك يحقق استحقاق العلم بأن يغبط صاحبه فأنه سبب لسيادته كذا قال والذي يظهر لي أن مراد البخاري إن الرياسة وإن كانت مما يغبط بها صاحبها في العادة لكن الحديث دل على أن الغبطة لا تكون الا بأحد أمرين العلم أو الجود ولا يكون الجود محمودا الا إذا كان بعلم فكأنه يقول تعلموا العلم قبل حصول الرياسة لتغبطوا إذا غبطتم بحق ويقول أيضا إن تعجلتم الرياسة التي من عادتها أن تمنع صاحبها من طلب العلم فاتركوا تلك العادة وتعلموا العلم لتحصل لكم الغبطة الحقيقية ومعنى الغبطة تمنى المرء أن يكون له نظير ما للآخر من غير أن يزول عنه وهو المراد بالحسد الذي أطلق في الخبر كما سنبينه .
73 - قوله حدثنا إسماعيل بن أبي خالد على غير ما حدثناه الزهري يعني أن الزهري حدث سفيان بهذا الحديث بلفظ غير اللفظ الذي حدثه به إسماعيل ورواية سفيان عن الزهري أخرجها المصنف في التوحيد عن علي بن عبد الله عنه قال قال الزهري عن سالم ورواها مسلم عن زهير بن حرب وغيره عن سفيان بن عيينة قال حدثنا الزهري عن سالم عن أبيه ساقه مسلم تاما واختصره البخاري وأخرجه البخاري أيضا تاما في فضائل القرآن من طريق شعيب عن الزهري حدثني سالم بن عبد الله بن عمر فذكره وسنذكر ما تخالفت فيه الروايات بعد إن شاء الله تعالى قوله قال سمعت القائل هو إسماعيل على ما حررناه قوله لا حسد الحسد تمنى زوال النعمة عن المنعم عليه وخصه بعضهم بأن يتمنى ذلك لنفسه والحق أنه أعم وسببه أن الطباع مجبولة على حب الترفع على الجنس فإذا رأى لغيره ما ليس له أحب أن يزول ذلك عنه له ليرتفع عليه أو مطلقا ليساويه وصاحبه مذموم إذا عمل بمقتضى ذلك من تصميم أو قول أو فعل وينبغي لمن خطر له ذلك أن يكرهه كما يكره ما وضع في طبعه من حب