تأكل مواضع السجود من المسلم كما ثبت في حديث الشفاعة أن ذلك محرم عليها وكذا لسانه الناطق بالتوحيد والعلم عند الله تعالى قوله فيستبشرون كذا لأبي ذر أي فهم يستبشرون وللباقين بحذف النون وهو أوجه لوقوع الفاء بعد النفي أو الاستفهام أو العرض وهي تنصب في كل ذلك قوله إذا يتكلوا بتشديد المثناة المفتوحة وكسر الكاف وهو جواب وجزاء أي أن أخبرتهم يتكلوا وللأصيلي والكشميهني ينكلوا بإسكان النون وضم الكاف أن يمتنعوا من العمل اعتمادا على ما يتبادر من ظاهره وروى البزار بإسناد حسن من حديث أبي سعيد الخدري Bه في هذه القصة أن النبي صلى الله عليه وسلّم إذن لمعاذ في التبشير فلقيه عمر فقال لا تعجل ثم دخل فقال يا نبي الله أنت أفضل رأيا إن الناس إذا سمعوا ذلك اتكلوا عليها قال فرده وهذا معدود من موافقات عمر وفيه جواز الاجتهاد بحضرته صلى الله عليه وسلّم واستدل بعض متكلمي الاشاعرة من قوله يتكلوا على أن للعبد اختيارا كما سبق في علم الله .
( قوله عند موته ) .
أي موت معاذ وأغرب الكرماني فقال يحتمل أن يرجع الضمير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم قلت ويرده ما رواه أحمد بسند صحيح عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال أخبرني من شهد معاذا حين حضرته الوفاة يقول سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلّم حديثا لم يمنعني أن أحدثكموه الا مخافة أن تتكلوا فذكره قوله تأثما هو بفتح الهمزة وتشديد المثلثة المضمومة أي خشية الوقوع في الإثم وقد تقدم توجيهه في حديث بدء الوحي في قوله يتحنث والمراد بالإثم الحاصل من كتمان العلم ودل صنيع معاذ على أنه عرف أن النهي عن التبشير كان على التنزيه لا على التحريم وإلا لما كان يخبر به أصلا أو عرف أن النهي مقيد بالاتكال فأخبر به من لا يخشى عليه ذلك وإذا زال القيد زال المقيد والأول أوجه لكونه أخر ذلك إلى وقت موته وقال القاضي عياض لعل معاذا لم يفهم النهي لكن كسر عزمه عما عرض له من تبشيرهم قلت والرواية الآتية صريحة في النهي فالأولى ما تقدم وفي الحديث جواز الارداف وبيان تواضع النبي صلى الله عليه وسلّم ومنزلة معاذ بن جبل من العلم لأنه خصه بما ذكر وفيه جواز استفسار الطالب عما يتردد فيه واستئذانه في اشاعة ما يعلم به وحده .
129 - قوله حدثنا مسدد حدثنا معتمر كذا للجميع وذكر الجياني أن عبدوسا والقابسي روياه عن أبي زيد المروزي بإسقاط مسدد من السند قال وهو وهم ولا يتصل السند الا بذكره انتهى ومعتمر هو بن سليمان التيمي والإسناد كله بصريون الا معاذا وكذا الذي قبله الا إسحاق فهو مروزي وهو الإمام المعروف بابن راهويه قوله ذكر لي هو بالضم على البناء لما لم يسم فاعله ولم يسم أنس من ذكر له ذلك في جميع ما وقفت عليه من الطرق وكذلك جابر بن عبد الله كما قدمناه من عند أحمد لأن معاذا إنما حدث به عند موته بالشام وجابر وأنس إذ ذاك بالمدينة فلم يشهداه وقد حضر ذلك من معاذ عمرو بن ميمون الأودي أحد المخضرمين كما سيأتي عند المصنف في الجهاد ويأتي الكلام على ما في سياقه من الزيادة ثم ورواه النسائي من طريق عبد الرحمن بن سمرة الصحابي المشهور