الباب ليتناوله من قرب أو لا يفعل شيئا فرأى الثاني أوفق لأن في الأول تعرضا للاطلاع والثالث يستدعي مشقة في طلب الماء والثاني اسهلها ففعله يدل على ذكائه فناسب أن يدعي له بالتفقه في الدين ليحصل به النفع وكذا كان وقد تقدمت باقي مباحثه في كتاب العلم .
( قوله باب لا تستقبل القبلة ) .
في روايتنا بضم المثناة على البناء للمفعول وبرفع القبلة وفي غيرها بفتح الياء التحتانيه على البناء للفاعل ونصب القبلة ولام تستقبل مضمومة على أن لا نافيه ويجوز كسرها على أنها ناهيه قوله الا عند البناء جدار أو نحوه وللكشميهني أو غيره أي كالاحجار الكبار والسواري والخشب وغيرها من السواتر قال الإسماعيلي ليس في حديث الباب دلالة على الاستثناء المذكور وأجيب بثلاثة أجوبه أحدها أنه تمسك بحقيقة الغائط لأنه المكان المطمئن من الأرض في الفضاء وهذه حقيقته اللغويه وأن كان قد صار يطلق على كل مكان أعد لذلك مجازا فيختص النهي به إذ الأصل في الإطلاق الحقيقه وهذا الجواب للإسماعيلي وهو اقواها ثانيها أن استقبال القبلة إنما يتحقق في الفضاء وأما الجدار والابنيه فإنها إذا استقبلت اضيف إليها الاستقبال عرفا قاله بن المنير ويتقوى بان الامكنه المعده ليست صالحه لأن يصلي فيها فلا يكون فيها قبلة بحال وتعقب بأنه يلزم منه أن لا تصح صلاة من بينه وبين الكعبة مكان لا يصلح للصلاة وهو باطل ثالثها الاستثناء مستفاد من حديث بن عمر المذكور في الباب الذي بعده لأن حديث النبي صلى الله عليه وسلّم كله كأنه شيء واحد قاله بن بطال وارتضاه بن التين وغيره لكن مقتضاه أن لا يبقى لتفصيل التراجم معنى فإن قيل لم حملتم الغائط على حقيقته ولم تحملوه على ما هو أعم من ذلك ليتناول الفضاء والبنيان لا سيما والصحابي راوي الحديث قد حمله على العموم فيهما لأنه قال كما سيأتي عند المصنف في باب قبلة أهل المدينة في أوائل الصلاة فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض بنيت قبل القبلة فننحرف ونستغفر فالجواب أن أبا أيوب اعمل لفظ الغائط في حقيقته ومجازه وهو المعتمد وكأنه لم يبلغه حديث التخصيص ولولا أن حديث بن عمر دل على تخصيص ذلك بالابنيه لقلنا بالتعميم لكن العمل بالدليلين أولي من الغاء أحدهما وقد جاء عن جابر فيما رواه أحمد وأبو داود وبن خزيمة وغيرهم تاييد ذلك ولفظه عند أحمد كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم ينهانا أن نستدبر القبلة أو نستقبلها بفروجنا إذا هرقنا الماء قال ثم رايته قبل موته بعام يبول مستقبل القبلة والحق أنه ليس بناسخ لحديث النهي خلافا لمن زعمه بل هو محمول على أنه رآه في بناء أو نحوه لأن ذلك هو المعهود من حاله صلى الله عليه وسلّم لمبالغته في التستر ورؤية بن عمر له كانت عن غير قصد كما سيأتي فكذا رواية جابر ودعوى خصوصية ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلّم لا دليل عليها إذ الخصائص لا تثبت بالاحتمال ودل حديث بن عمر الاتي على جواز استدبار القبلة في الابنيه وحديث جابر على جواز استقبالها ولولا ذلك لكان