فذكر في هذا الحديث أن النبي ص - قال ذلك وهو في الطواف فظاهر ذلك يقتضي أن يكون مراده السعي في الطواف وهو الرمل والطواف نفسه لأن المشي يسمى سعيا قال الله تعالى فاسعوا إلى ذكر الله وليس المراد إسراع المشي وإنما هو المصير إليه والخبر الأول الذي ذكر فيه أن النبي ص - قال ذلك وهو يسعى بين الصفا والمروة لا دلالة فيه على أنه أراد السعي بينهما إذ جائز أن يكون مراد الطواف بالبيت والرمل فيه وهو سعي لأنه إسراع المشي وأيضا فإن ظاهره يقتضي جواز أي سعي كان وهو إذا رمل فقد سعى ووجوب التكرار لا دلالة عليه فالإخبار الأول التي ذكرناها دالة على وجوب السعي لأنه سنة لا ينبغي تركها ولا دلالة فيها على أن من تركها لا ينوب عنه دم والدليل على أن الدم ينوب عنه لمن تركه حتى يرجع إلى أهله اتفاق السلف على جواز السعي بعد الإحلال من جميع الإحرام كما يصح الرمي وطواف الصدر فوجب أن ينوب عنه الدم كما ناب عن الرمي وطواف الصدر فإن قيل طواف الزيارة يفعل بعد الإحلال ولا ينوب عنه الدم قيل له ليس كذلك لأن بقاء طواف الزيارة يوجب كونه محرما عن النساء وإذا طاف فقد حل له كل شيء بلا خلاف بين الفقهاء وليس لبقاء السعي تأثير في بقاء شيء من الإحرام كالرمي وطواف الصدر فإن قال قائل فإن الشافعي يقول إذا طاف للزيارة لم يحل من النساء وكان حراما حتى يسعى بالصفا والمروة قيل له قد اتفق الصدر الأول من التابعين والسلف بعدهم أنه يحل بالطواف بالبيت لأنهم على ثلاثة أقاويل بعد الحلق فقال قائلون هو محرم من اللباس والصيد والطيب حتى يطوف بالبيت وقال عمر بن الخطاب هو محرم من النساء والطيب وقال ابن عمر وغيره هو محرم من النساء حتى يطوف فقد اتفق السلف على أنه يحل من النساء بالطواف بالبيت دون السعي بين الصفا والمروة وأيضا فإن السعي بينهما لا يفعل إلا تبعا للطواف ألا ترى أن من لا طواف عليه لا سعي عليه وأنه لا يتطوع بالسعي بينهما كما لا يتطوع بالرمي فدل على أنه من توابع الحج والعمرة فإن قيل الوقوف بعرفة لا يفعل إلا بعد الإحرام وطواف الزيارة لا يفعل إلا بعد الوقوف وهما من فروض الحج قيل له لم نقل أن من لا يفعل إلا بعد غيره فهو تبع فيلزمنا ما ذكرت وإنما قلنا مالا يفعل إلا على وجه التبع لأفعال الحج أو العمرة فهو تابع ليس بفرض فأما الوقوف بعرفة فإنه غير مفعول على وجه التبع لغيره بل يفعل منفردا