الحنث فثبت أن المراد بما عقدتم الأيمان وحنثتم فيها فكفارته وهو كقوله تعالى ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر والمعنى فأفطر فعدة من أيام أخر وقوله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة فمعناه فحلق ففدية عن صيام كذلك قوله بما عقدتم الأيمان فكفارته معناه فحنثتم بكفارته لاتفاق الجميع أنها غير واجبة قبل الحنث وقد اقتضت الآية لا محالة إيجاب الكفارة وذلك لا يكون إلا بعد الحنث فثبت أن المراد ضمير الحنث فيه وأيضا لما سماه كفارة علمنا أنه أراد التكفير بها في حال وجوبها لأن ما ليس بواجب فليس بكفارة على الحقيقة ولا يسمى بهذا الاسم فعلمنا أن المراد إذا حنثتم فكفارته إطعام عشرة مساكين وكذلك قوله في نسق التلاوة ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم معناه إذا حلفتم وحنثتم لما بيناه آنفا فإن قيل يجوز أن تسمى كفارة قبل وجوبها كما يسمى ما يعجله من الزكاة قبل الحول زكاة لوجوب السبب الذي هو النصاب وكما يسمى ما يعجله بعد الجراحة كفارة قبل وجود القتل وإن لم تكن واجبة في هذه الحال فكذلك يجوز أن يكون ما يعجله الحالف كفارة قبل الحنث ولا يحتاج إلى إثبات إضمار الحنث في جوازها قيل له قد بينا أن الكفارة الواجبة بعد الحنث مرادة بالآية وإذا أريد بها الكفارة الواجبة امتنع أن ينتظم ما ليس منها لاستحالة كون لفظ واحد مقتضيا للإيجاب ولما ليس بواجب فمن حيث أريد بها الواجب انتفى ما ليس منها بواجب وأيضا فقد ثبت أن المتبرع بالطعام ونحوه لا يكون مكفرا بما يتبرع به إذا لم يحلف فلما كان المكفر قبل الحنث متبرعا بما أعطى ثبت أن ما أخرج ليس بكفارة ومتى فعله لم يكن فاعلا للمأمور به وأما إعطاء كفارة القتل قبل الموت بعد الجراحة وتعجيل الزكاة قبل الحول فإن جميع ما أخرج هؤلاء تطوع وليس بكفارة ولا زكاة وإنما أجزناه لما قامت الدلالة أن إخراج هذا التطوع يمنع لزوم الفرض بوجود الموت وحؤول الحول .
فصل ويحتج من يوجب على من عقد نذره بشرط كفارة يمين دون المنذور مثل قوله إن دخلت الدار فالله علي حجة أو عتق رقبة أو نحو ذلك فحنث بظاهر قوله تعالى ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته وبقوله تعالى ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم قال فلما كان هذا حالفا وجب أن يكون الواجب عليه بالحنث كفارة اليمين دون