ولذلك قال النبي ص - وهو واقف بعرفات ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض فثبت الحج في اليوم التاسع من ذي الحجة وهو يوم عرفة والنحر وهو اليوم العاشر منه فهذا قول من يقول إن الأربعة الأشهر التي جعلها للسياحة وقطع بمضيها عصمة المشركين وعهدهم وقد قيل في جواز نقض العهد قبل مضي مدته على جهة النبذ إليهم وإعلامهم نصب الحرب وزوال الأمان وجوه أحدها أن يخاف غدرهم وخيانتهم والآخر أن يثبت غدرهم سرا فينبذ إليهم ظاهرا والآخر أن يكون في شرط العهد أن يقرهم على الأمان ما يشاء وينقضه متى شاء كما قال النبي ص - لأهل خيبر أقركم ما أقركم الله والآخر أن العهد المشروط إلى مدة معلومة فيه ثبوت الأمان من حربهم وقتالهم من غير علمهم وأن لا يقصدوا وهم غارون وأنه متى أعلمهم رفع الأمان من حربهم فذلك جائز لهم وذلك معلوم في مضمون العهد وسواء خاف غدرهم أو لم يخف وكان في شرط العهد أن لناقضه متى شئنا أو لم يكن فإن لنا متى رأينا ذلك حظا للإسلام أن ننبذ إليهم وليس ذلك بغدر منا ولا خيانة ولا خفر للعهد لأن خفر الأمان والعهد أن يأتيهم بعد الأمان وهم غارون بأماننا فأما متى نبذنا إليهم فقد زال الأمان وعادوا حربا ولا يحتاج إلى رضاهم في نبذ الأمان إليهم ولذلك قال أصحابنا أن للإمام أن يهادن العدو إذا لم تكن بالمسلمين قوة على قتالهم فإن قوي المسلمون وأطاقوا قتالهم كان له أن ينبذ إليهم ويقاتلهم وكذلك كل ما كان فيه صلاح للمسلمين فللإمام أن يفعله وليس جواز رفع الأمان موقوفا على خوف الغدر والخيانة من قبلهم وقد روي عن ابن عباس أن هذه الأربعة الأشهر الحرم هي رجب وذو القعدة وذو الحجة إلى آخر المحرم وقد كانت سورة براءة نزلت حين بعث النبي ص - أبا بكر على الحج وكان الحج في تلك السنة في ذي القعدة فكأنهم على هذا القول إنما بقي عهدهم إلى آخر الأربعة الأشهر التي هي أشهر الحرم وقد روى جرير عن مغيرة عن الشعبي عن المحرر بن أبي هريرة عن أبيه قال كنت مع علي حين بعثه رسول الله ص - ببراءة إلى المشركين فكنت أنادي حتى صحل صوتي وكان أمرنا أن نقول لا يحجن بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ولا يدخل الجنة إلا مؤمن ومن كان بينه وبين رسول الله عهد فأجله إلى أربعة أشهر فإذا مضت الأربعة الأشهر فإن الله بريء من المشركين ورسوله وجائز أن تكون هذه الأربعة الأشهر من وقت