من طريق العقل لا يجوز استباحته للضرورات وإنما يجوز له إظهار اللفظ على معنى المعاريض والتورية باللفظ إلى غير معنى الكفر من غير اعتقاد لمعنى ما أكره عليه فيصير اللفظ بمنزلة لفظ الناسي والذي يسبقه لسانه بالكفر فكان ترك إظهاره أولى وأفضل وإن كان موسعا عليه إظهاره عند الخوف وقالوا فيمن أكره على قتل رجل أو على الزنا بامرأة لا يسعه الإقدام عليه لأن ذلك من حقوق الناس وهما متساويان في الحقوق فلا يجوز إحياء نفسه بقتل غيره بغير استحقاق وكذلك الزنا بالمرأة فيه انتهاك حرمتها بمعنى لا تبيحه الضرورة وإلحاقها بالشين والعار وليس كذلك عندهم الإكراه على القذف فيجوز له أن يفعل من قبل أن القذف الواقع على وجه الإكراه لا يؤثر في المقذوف ولا يلحقه به شيء فأحكام الإكراه مختلفة على الوجوه التي ذكرنا منها ما هو واجب فيه إعطاء التقية وهو الإكراه على شرب الخمر وأكل الميتة ونحو ذلك مما طريق حظره السمع ومنها مالا يجوز فيه إعطاء التقية وهو الإكراه على قتل من لا يستحق القتل ونحو الزنا ونحو ذلك مما فيه مظلمة لآدمي ولا يمكن استدراكه ومنها ما هو جائز له فعل ما أكره عليه والأفضل تركه كالإكراه على الكفر وشبهه قوله تعالى وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين روي عن الشعبي وقتادة وعطاء بن يسار أن المشركين لما مثلوا بقتلى أحد قال المسلمون لئن أظهرنا الله عليهم لنمثلن بهم أعظم مما مثلوا فأنزل الله تعالى هذه الآية وقال مجاهد وابن سيرين هو في كل من ظلم بغضب او نحوه فإنما يجازى بمثل ما عمل قال أبو بكر نزول الآية على سبب لا يمنع عندنا اعتبار عمومها في جميع ما انتظمه الاسم فوجب استعمالها في جميع ما انطوى تحتها بمقتضى ذلك أن من قتل رجلا قتل به ومن جرح جراحة جرح به جراحة مثلها وإن قطع يد رجل ثم قتله أن للولي قطع يده ثم قتله واقتضى أيضا أن من قتل رجلا برضخ رأسه بالحجر أو نصبه غرضا فرماه حتى قتله أنه يقتل بالسيف إذ لا يمكن المعاقبة بمثل ما فعله لأنا لا نحيط علما بمقدار الضرب وعدده ومقدار ألمه وقد يمكننا المعاقبة بمثله في باب إتلاف نفسه قتلا بالسيف فوجب استعمال حكم الآية فيه من هذا الوجه دون الوجه الأول وقد دلت أيضا على أن من استهلك لرجل مالا فعليه مثله وإذا غصبه ساجة فأدخلها في بنائه أو غصبه حنطة فطحنها أن عليه المثل فيهما جميعا لأن المثل في الحنطة بمقدار كيلها من جنسها وفي الساجة