دون بعض لاتفاق الجميع على أن إرادة الله تعالى عموم جميع الأهلة فيما جعله مواقيت للناس وأنه لم يرد به بعض الأهلة دون بعض فمن حيث انتظم فيما جعله مواقيت للناس جميعا وجب أن يكون ذلك حكمها فيما جعله للحج منها إذ هما جميعا قد انطويا تحت لفظ واحد فإن قيل لما جعلها مواقيت للحج والحج في الحقيقة هو الأفعال الموجبة بالإحرام ولم يكن الإحرام هو الحج وجب أن يحمل على حقيقته فتكون الأهلة التي هي مواقيت للحج شوالا وذا القعدة وذا الحجة لأن هذه الأشهر هي التي تصح فيها أفعال الحج لأنه لو طاف وسعى للحج قبل أشهر الحج لم يصح عند الجميع فيكون لفظ الحج مستعملا على حقيقته قيل له هذا غلط لما فيه من إسقاط حكم اللفظ رأسا وذلك لأن قوله يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج يقتضي أن تكون الأهلة نفسها ميقاتا للحج وفروض الحج ثلاثة الإحرام والوقوف بعرفة وطواف الزيارة ومعلوم أن الأهلة ليست ميقاتا للوقوف ولا لطواف الزيارة إذ هما غير مفعولين في وقت الهلال فلم تبق الأهلة ميقاتا إلا للإحرام دون غيره من فروضه ولو حملناه على ما ذكرت لم يكن شيء من ذهنه الفروض متعلقا بالأهلة ولا كانت الأهلة ميقاتا لها فيؤدي ذلك إلى إسقاط ذكر الأهلة وزوال فائدته فإن قيل إذا كانت معرفة وقت الوقوف متعلقة بالهلال جاز أن يقال أن الهلال ميقات له قيل له ليس ذلك كما ظننت لأن الهلال له وقت معلوم على ما قدمنا فيما سلف ولا يسمى بعد مضي ذلك الوقت هلالا ألا ترى أنه لا يقال للقمر ليلة الوقوف هلالا والله تعالى إنما جعل الهلال نفسه ميقاتا للحج وأنت إنما تجعل غير الهلال ميقاتا وفي ذلك إسقاط حكم اللفظ ودلالته ألا ترى أنه إذا جعل محل الدين هلالا شهر كذا كان الهلال نفسه وقتا لثبوت حق المطالبة ووجوب أدائه إليه لا ما بعده من الأيام وكذلك الإجارات إذا عقدت على الأهلة فإنما يعتبر فيها وقت رؤية الهلال ذلك مفهوم من اللفظ لا يشكل مثله على ذي فهم وأما قوله أن الحج هو اسم للافعال الموجبة بالإحرام وأن الإحرام لا يسمى حجا فإن الإحرام إذا كان سببا لتلك الأفعال ولا يصح حكمها إلا به فجائز أن يسمى باسمه على ما بينا في أول الكتاب من تسمية الشيء باسم غيره إذا كان سببا أو مجاورا فسمى الإحرام حجا على هذا الوجه وأيضا فإنه إذا كان جائزا إضمار الإحرام حتى يكون في معنى قل هي مواقيت للناس