المضمونة في ذمته فإنما المطالبة بها معلقة بإمكان أدائها فمن كان معسرا فإن الله لم يكلفه إلا ما في إمكانه قال الله تعالى لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا فإذا لم يكن مكلفا لأدائها لم يجز أن يحبس بها فإن قيل إن الدين من الأمانات لقوله تعالى فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته وإنما يريد به الدين المذكور في قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه قيل له إن كان الدين مرادا بقوله تعالى إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها فإن الأمر بذلك توجه إليه على شريطة الإمكان لما وصفنا من أن الله تعالى لا يكلف أحدا مالا يقدر عليه ولا يتسع لفعله وهو محكوم له من ظاهر إعساره أنه غير قادر على أدائه ولم يكن شريح ولا أحد من السلف يخفى عليهم إن الله لا يكلف أحدا مالا يقدر عليه بل كانوا عالمين بذلك ولكنه ذهب عندي والله أعلم إلى أنه لم يتيقن وجود ذلك ويجوز أن يكون قادرا على أدائه مع ظهور إعساره فلذلك حبسه .
واختلفوا أهل العلم في الحاكم إذا ثبت عنده إعساره وأطلقه من الحبس هل يحول بين الطالب وبين لزومه فقال أصحابنا للطالب أن يلزمه وذكر ابن رستم عن محمد قال والملزوم في الدين لا يمنع من دخول منزله للغذاء والغائط والبول فإن أعطاه الذي يلزمه الغذاء وموضع الخلاء فله أن يمنعه من إتيان منزله وقال غيرهم منهم مالك والشافعي ليس له أن يلزمه وقال الليث بن سعد يؤاجر الحر المعسر فيقضي دينه من أجرته ولا نعلم أحدا قال بمثل قوله إلا الزهري فإن الليث بن سعد روى عن الزهري قال يؤاجر المعسر بما عليه من الدين حتى يقضي عنه والذي يدل على أن ظهور الإعسار لا يسقط عنه اللزوم والمطالبة والاقتضاء حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله ص - اشترى من أعرابي بعيرا إلى أجل فلما حل الأجل جاءه يتقاضاه فقال جئتنا وما عندنا شيء ولكن أقم حتى تأتي الصدقة فجعل الأعرابي يقول واغدراه فهم به عمر فقال ص - دعه فإن لصاحب الحق مقالا فأخبر النبي ص - أنه ليس عنده شيء ولم يمنعه الاقتضاء وقال إن لصاحب الحق مقالا فدل ذلك على أن الإعسار بالدين غير مانع اقتضاءه ولزومه به وقوله أقم حتى تأتي الصدقة يدل على أن النبي ص - إنما اشترى البعير للصدقة لا لنفسه لأنه لو كان اشتراه لنفسه لم يكن ليقضيه من إبل الصدقة لأنه لم يكن تحل له الصدقة فهذا يدل على أن