وأن يكون نزول الجميع معا فإن كان كذلك فغير جائز أن يكون المراد بالكتابة والإشهاد الإيجاب لامتناع ورود الناسخ والمنسوخ معا في شيء واحد إذ غير جائز نسخ الحكم قبل استقراره ولما لم يثبت عندنا تاريخ نزول هذين الحكمين من قوله تعالى وأشهدوا إذا تبايعتم وقوله تعالى فإن أمن بعضكم بعضا وجب الحكم بورودهما معا فلم يرد الأمر بالكتاب والإشهاد إلا مقرونا بقوله تعالى فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته فثبت بذلك أن الأمر بالكتابة والإشهاد ندب غير واجب وما روي عن ابن عباس من أن آية الدين محكمة لم ينسخ منه شيء لا دلالة فيه على أنه رأى الإشهاد واجبا لأنه جائز أن يريد أن الجميع ورد معا فكان في نسق التلاوة ما أوجب أن يكون الإشهاد ندبا وهو قوله تعالى فإن أمن بعضكم بعضا وما روي عن ابن عمر إنه كان يشهد وعن إبراهيم وعطاء أنه يشهد على القليل كله عندنا أنهم رأوه ندبا لا إيجابا وما روي عن أبي موسى ثلاثة يدعون الله فلا يستجاب لهم أحدهم من له على رجل دين ولم يشهد فلا دلالة على أنه رآه واجبا ألا ترى أنه ذكر معه من له امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها ولا خلاف أنه ليس بواجب على من له امرأة سيئة الخلق أن يطلقها وإنما هذا القول منه على أن فاعل ذلك تارك للاحتياط والتوصل إلى ما جعل الله تعالى له فيه المخرج والخلاص ولا خلاف بين فقهاء الأمصار أن الأمر بالكتابة والإشهاد والرهن المذكور جميعه في هذه الآية ندب وإرشاد إلى مالنا فيه الحظ والصلاح والاحتياط للدين والدنيا وإن شيئا منه غير واجب وقد نقلت الأمة خلف عن سلف عقود المداينات والأشرية والبياعات في أمصارهم من غير إشهاد مع علم فقهائهم بذلك من غير نكير منهم عليهم ولو كان الإشهاد واجبا لما تركوا النكير على تاركه مع علمهم به وفي ذلك دليل على أنهم رأوه ندبا وذلك منقول من عصر النبي ص - إلى يومنا هذا لو كانت الصحابة والتابعون تشهد على بياعاتها وأشريتها لورد النقل به متواترا مستفيضا ولأنكرت على فاعله ترك الإشهاد فلما لم ينقل عنهم الإشهاد بالنقل المستفيض ولا إظهار النكير على تاركه من العامة ثبت بذلك أن الكتاب والإشهاد في الديون والبياعات غير واجبين وقوله تعالى فاكتبوه مخاطبة لمن جرى ذكره في أول الآية وهو يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين فإنما أمر بذلك للمتداينين فإن قيل ما وجه قوله تعالى بدين والتداين لا يكون إلا بدين قيل له