وينهى فاعله عنه وليس في النهي عن التبذير ما يوجب الحجر لأنه إنما ينبغي أن يمنعه التبذير فأما أن يمنعه من التصرف في ماله ويبطل بياعاته وإقراره وسائر وجوه تصرفه فإن هذا الموضع هو الذي فيه الخلاف بيننا وبين خصومنا وليس في الآية ما يوجب المنع من شيء منه وذلك لأن الإقرار نفسه ليس من التبذير في شيء لأنه لو كان مبذرا لوجب منع سائر المقرين من إقرارهم وكذلك البيع بالمحاباة لا تبذير فيه لأنه لو كان مبذرا لوجب أن ينهى عنه سائر الناس وكذلك الهبة والصدقة وإذا كان كذلك فالذي تقتضيه الآية النهي عن التبذير وذم فاعله فكيف يجوز الاستدلال بها على الحجر في العقود التي لا تبذير فيها وقد يصح الاستدلال لمحمد لأنه يجيز من عقوده مالا محاباة فيه ولا إتلاف لماله إلا أن الذي في الآية إنما هو ذم المبذرين والنهي عن التبذير ومن ينفي الحجر يقول إن التبذير مذموم منهي عن فعله فأما الحجر ومنع التصرف فليس في الاية إيجابه ألا ترى أن الإنسان منهي عن التغرير بماله في البحر وفي الطريق المخوفة ولا يمنعه الحاكم منه على وجه الحجر عليه ولو أن إنسانا ترك نخله وشجره وزرعه لا يسقيها وترك عقاره ودوره لا يعمرها لم يكن للإمام أن يجبره على الإنفاق عليها لئلا يتلف ماله كذلك لا يحجر عليه في عقوده التي يخاف فيها توى ماله وكذلك نهي النبي ص - عن إضاعة المال لا دلالة فيه على الحجر كما بيناه في التبذير ومما يدل على بطلان الحجر وجواز تصرف المحجور عليه أن العاقل البالغ إذا ظهر منه سفه وتبذير فإن الفقهاء الذي تقدم ذكر أقاويلهم من موجبي الحجر ما خلا محمد بن الحسن يقول إذا حجر عليه القاضي بطل من عقوده وإقراره ما كان بعد الحجر وإذا كان جائز التصرف قبل حجر القاضي فمعنى الحجر حينئذ أني قد أبطلت ما يعقده أو ما يقر به في المستقبل وهذا لا يصح لأن فيه فسخ عقد لم يوجد بعد بمنزلة من قال لرجل كل بيع بعتنيه وعقد عاقدتنيه فقد فسخته أو كل خيار بشريطة لي في البيع فقد أبطلته أو نقول امرأة كل أمر تجعله إلي في المستقبل فقد أبطلته فهذا باطل لا يجوز فسخ العقود الموجودة في المستقبل ومما يلزم أبا يوسف ومحمد في هذا أنهما يجيزان تزويجه بعد الحجر بمهر المثل وفي ذلك إبطال الحجر لأنه إن كان الحجر واجبا لئلا يتلف ماله فإنه قد يصل إلى إتلافه بالتزويج وذلك بأن يتزوج امرأة بمقدار مهر مثلها ثم يطلقها قبل الدخول فيلزمه نصف المهر ثم لا يزال يفعل ذلك حتى يتلف ماله فليس