ما في السموات والأرض كله نعمة من الله وهو الحقيق بأن يحمد ويثنى عليه من أجله ولما قال : " الحمد لله " ثم وصف ذاته بالأنعام بجميع النعم الدنيوية كان معناه : أنه المحمود على نعم الدنيا كما تقول : أحمد أخاك الذي كساك وحملك تريد : أحمده على كسوته وحملانه . ولما قال : " وله الحمد في الأخرة " علم أنه المحمود على نعم الآخرة وهو الثواب . فإن قلت : ما الفرق بين الحمدين ؟ قلت : أما الحمد في الدنيا فواجب لأنه على نعمة متفضل بها وهو الطريق إلى تحصيل نعمة الآخرة وهي الثواب . وأما الحمد في الآخرة فليس بواجب لأنه على نعمة واجبة الإيصال إلى مستحقها وإنما هو تتمة سرور المؤمنين وتكلمه اغتباطهم : يلتذون به كما يلتذ من به العطاش بالماء البارد " وهو الحكيم " الذي أحكم أمور الدارين ودبرها بحكمته " الخبير " بكل كائن يكون . ثم ذكرها مما يحيط به علما " ما يلج في الأرض " من الغيث كقوله : " فسلكه ينابيع في الأرض " الزمر : 21 ومن الكنوز والدفائن والأموات وجيمع ما هي له كفات " وما يخرج منها " من الشجر والنبات وماء العيون والغلة والدواب وغير ذلك " وما ينزل من السماء " من الأمطار والثلوج والبرد والصواعق والأرزاق والولائكة وأنواع البركات والمقادير كما قال تعالى : " وفي السماء رزقكم وما توعدون " الذاريات : 22 " وما يعرج فيها " من الملائكة وأعمال العباد " وهو " مع كثرة نعمه وسبوغ فضله " الرحيم الغفور " للمفرطين في أداء مواجب شكرها . وقرأ علي بن أبي طالب Bه : تنزل بالنون والتشديد .
" وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم علام الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ليجزى الذين ءامنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة ورزق كريم "