كأنه قيل : الذي صبح فغنم فآب . وإما على ترتبها في التفاوت من بعض الوجوه كقولك : خذ الأفضل فاكمل واعمل الأحسن فالأجمل . وإما على ترتب موصوفاتها في ذلك كقوله : رحم الله المحلقين فالمقصرين فعلى هذه القوانين الثلاثة ينساق أمر الفاء العاطفة في الصفات فإن قلت : فعلى أي هذه القوانين هي فيما أنت بصدده ؟ قلت إن وحدت الموصوف كانت للدلالة على أن ترتب الصفات في التفاضل وإن ثلثته فهي للدلالة على ترتب الموصوفات فيه بيان ذلك : أنك إذا أجريت هذه الأوصاف على الملائكة وجعلتهم جامعين لها فعطفها بالفاء يفيد ترتبا لها في الفضل : إما إن يكون الفضل للصف ثم للزجر ثم للتلاوة وإما على العكس وكذلك إن أردت العلماء وقواد الغزاة . وإن أجريت الصفة الأولى على طوائف والثانية والثالثة على أخر فقد أفادت ترتب الموصوفات في الفضل أعني أن الطوائف الصافات ذوات فضل والزاجرات أفضل والتاليات أبهر فضلا أو على العكس وكذلك إذا أردت بالصافات : الطير وبالزاجرات : كل ما يزجر عن معصية . وبالتاليات : كل نفس تتلو الذكر فإن الموصوفات مختلفة . وقرىء : بإدغام التاء في الصاد والزاي والذال " رب السموت " خبر بعد خبر . أو خبر مبتدأ محذوف . و " المشرق " ثلثمائة وستون مشرقا وكذلك المغارب : تشرق الشمس كل يوم في مشرق وتغرب في مغرب ولا تطلع ولا تغرب في واحد يومين . فإن قلت : فماذا أراد بقوله : " رب المشرقين ورب المغربين " الرحمن 7 ؟ قلت : أراد مشرقي الصيف والشتاء ومغربيهما .
" إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكوكب وحفظا من شيطن مارد " " الدنيا " القربى منكم . والزينة : مصدر كالنسبة واسم لما يزان به الشيء كالليقه اسم لما تلاق به الدواة ويحتملهما قوله : " بزينة الكوكب " فإن أردت المصدر فعلى إضافته إلى الفاعل أي : بأن زانتها الكواكب وأصله : بزينة الكواكب أو على إضافته إلى المفعول أي : بأن زان الله الكواكب وحسنها لأنها إنما زينت السماء لحسنها في أنفسها وأصله " بزينة الكوكب " وهي قراءة أبي بكر والأعمش وابن وثاب وإن أردت الاسم فللإضافة وجهان : أن تقع الكواكب بيانا للزينة لأن الزينة مبهمة في الكواكب وغيرها مما يزان به وأن يراد ما زينت به الكواكب . وجاء عن ابن عباس Bهما : بزينة الكواكب : بضوء الكواكب ويجوز أن يراد أشكالها المختلفة كشكل الثريا وبنات نعش والجوزاء وغير ذلك ومطالعها ومسايرها . وقرىء : على هذا المعنى : بزينة الكواكب بتنوين زينة وجر الكواكب على الإبدال . ويجوز في نصب الكواكب أن يكون بدلا من محل بزينة " وحفظا " مما حمل على المعنى لأن المعنى : إنا خلقنا الكواكب زينة للسماء وحفظا من الشياطين كما قال تعالى : " ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين " الملك : ه ويجوز أن يقدر الفعل المعلل كأنه قيل : حفظا " من كل شيطن " زيناها بالكواكب وقيل : وحفظناها حفظا . والمارد : الخارج من الطاعة المتملس منها .
" لا يسمعون إلى الملإ الأعلى ويقذفون من كل جانب دحورا ولهم عذاب واصب إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب " الضمير في " لا يسمعون " لكل شيطان لأنه في معنى الشياطين . وقرىء بالتخفيف والتشديد وأصله : يتسمعون . والتسميع : تطلب السماع . يقال : تسمع فسمع أو فلم يسمع . وعن ابن عباس Bهما : هم يتسمعون ولا يسمعون وبهذا ينصر التخفيف على التشديد . فإن قلت : لا يسمعون كيف اتصل بما قبله ؟ قلت : لا يخلو من أن يتصل بما قبله على أن يكون صفة لكل شيطان أو استئنافا فلا تصح الصفة لأن الحفظ من شياطين لا يسمعون ولا يتسمعون لا معنى له وكذلك الاستئناف لأن سائلا لو سأل : لم تحفظ من الشياطين ؟ فأجيب بأنهم لا يسمعون : لم يستقم فبقي أن يكون كلاما منقطعا مبتدأ اقتصاصا لما عليه حال المسترقة للسمع وأنهم لا يقدرون أن يسمعوا إلى كلام الملائكة . أو يتسمعوا وهم مقذوفون بالشهب مدحورون عن ذلك إلا من أمهل حتى خطف خطفة واسترق استراقة فعندها تعاجله الهلكة بإتباع الشهاب الثاقب . فإن قلت : هل يصح قول من زعم أن أصله : لئلا يسمعوا فحذفت اللام كما حذفت في قولك : جئتك أن تكرمني فبقي أن لا يسمعوا فحذفت أن وأهدر عملها كما في قول القائل : .
ألا أيها ذا الزاجري أحضر الوغى