قلت : كل واحد من هذين الحذفين غير مردود على انفراده فأما اجتماعهما فمنكر من المنكرات على أن صون القران عن مثل هذا التعسف واجب . فإن قلت : أي فرق بين سمعت فلانا يتحدث وسمعت إليه يتحدث وسمعت حديثه وإلى حديثه . قلت المعدى بنفسه يفيد الإدراك والمعدى بإلى يفيد الإصغاء مع الإدراك والملأ الأعلى : الملائكة لأنهم يسكنون السماوات والإنس والجن : هم الملأ الأسفل لأنهم سكان الأرض . وعن ابن عباس Bهما : هم الكتبة من الملائكة . وعنه : أشراف الملائكة " من كل جانب " من جميع جوانب السماء من أي جهة صعدوا للاستراق " دحورا " مفعول له أي : ويقذفون للدحور وهو الطرد أو مدحورين على الحال أو لأن القذف والطرد متقاربان في المعنى فكأنه قيل : يدحرون أو قذفا . وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي بفتح الدال على قذفا دحورا طرودا . أو على أنه قد جاء مجيء القبول والولوع . والواصب : الدائم وصب الأمر وصوبا يعني أنهم في الدنيا مرجومون بالشهب وقد أعد لهم في الآخرة نوع من العذاب دائم غير منقطع " من " في محل الرفع بدل من الواو في " لا يسمعون " أي : لا يسمع الشياطين إلا الشيطان الذي " خطف الخطفة " وقرىء : " خطف " بكسر الخاء والطاء وتشديدها وخطف بفتح الخاء وكسر الطاء وتشديدها أصلها : اختطف . وقرىء : " فأتبعه " " وفاتبعه " .
" فاستفتهم أهم أشد خلقا أم من خلقنا إنا خلقنهم من طين لازب " الهمزة وإن خرجت إلى معنى التقرير فهي بمعنى الاستفهام في أصلها فلذلك قيل : فأستفتهم " أي استخبرهم " أهم أشد خلقا " ولم يقل : فقررهم والضمير لمشركي مكة . قيل : نزلت في أبي الأشد بن كلدة وكني بذلك لشدة بطشه وقوته " أم من خلقنا " يريد : ما ذكر من خلائقه : من الملائكة والسموات والأرض والمشارق والكواكب والشهب الثواقب والشياطين المردة وغلب أولي العقل على غيرهم فقال : من خلقنا والدليل عليه قوله بعد عد هذه الأشياء : " فاستفتهم أهم أشد خلقا أم من خلقنا " بالفاء المعقبة . وقوله : " أم من خلقنا " مطلقا من غير تقييد بالبيان اكتفاء ببيان ما تقدمه كأنه قال : خلقنا كذا وكذا من عجائب الخلق وبدائعه فاستفتهم أهم أشد خلقا أم الذي خلقناه من ذلك ويقطع به قراءة من قرأ : " أم من عددنا " بالتخفيف والتشديد . و " أشد خلقا " يحتمل أقوى خلقا من قولهم : شديد الخلق . وفي خلقه شدة وأصعب خلقا وأشقه على معنى الرد لإنكارهم البعث والنشأة الأخرى وأن من هان عليه خلق هذه الخلائق العظيمة ولم يصعب عليه اختراعها كان خلق البشر عليه أهون . وخلقهم " من طين لازب " إما شهادة عليهم بالضعف والرخاوة لأن ما يصنع من الطين غير موصوف بالصلابة والقوة أو احتجاج عليهم بأن الطين اللازب الذي خلقوا منه تراب فمن أين استنكروا أن يخلقوا من تراب مثله حيث قالوا : " أئذا كنا ترابا " الرعد : ه . وهذا المعنى يعضده ما يتلوه من ذكر إنكارهم البعث . وقيل : من خلقنا من الأمم الماضية وليس هذا القول بملائم . وقرىء : " لازب " و " لاتب " والمعنى واحد والثاقب : الشديد الإضاءة .
" بل عجبت ويسخرون وإذا ذكروا لا يذكرون وإذا رأوا ءاية يستخسرون " " بل عجبت " من قدرة الله على هذه الخلائق العظيمة و هم " يسخرون " منك ومن تعجبك ومما تريهم من آثار قدرة الله أو من إنكارهم البعث وهم يسخرون من أمر البعث وقرىء بضم التاء أي : بلغ من عظم آياتي وكثرة خلائقي أني عجبت منها فكيف بعبادي وهؤلاء بجهلهم وعنادهم يسخرون من آياتي أو عجبت من أن ينكروا البعث ممن هذه أفعاله وهم يسخرون ممن يصف الله تعالى بالقدرة عليه . فإن قلت : كيف يجوز العجب على الله تعالى وإنما هو روعة تعتري الإنسان عند استعظامه الشيء والله تعالى لا يجوز عليه الروعة ؟ قلت : فيه وجهان أحدهما : أن يجرد العجب لمعنى الاستعظام والثاني : أن يتخيل العجب ويفرض . وقد جاء في الحديث :