فإن قلت : ما وجه الكسر في أوان ؟ قلت : شبه بإذ في قوله : وأنت إذ صحيح في أنه زمان قطع منه المضاف إليه وعوض التنوين لأن الأصل : ولات أوان صلح . فإن قلت : فما تقول في حين مناص والمضاف إليه قائم . قلت : نزل قطع المضاف إليه من مناص لأن أصله حين مناصهم منزلة من قطعه من حين لاتحاد المضاف والمضاف إليه وجعل تنوينه عوضا من الضمير المحذوف ثم بنى الحين لكونه مضافا إلى في متمكن . وقرىء : " ولات " بكسر التاء على البناء كجير . فإن قلت : كيف يوقف على لات . قلت : يوقف عليها بالتاء كما يوقف على الفعل الذي يتصل به تاء التأنيث . وأما الكسائي فيقف عليها بالهاء كما يقف على الأسماء المؤنثة .
وأما قول أبي عبيد : إن التاء داخلة على حين فلا وجه له . واستشهاده بأن التاء ملتزقة بحين في الإمام لا متشبث به فكم وقعت في المصحف أشياء خارجة عن قياس الخط . والمناص : المنجا والفوت يقال : ناصه ينوصه إذا فاته . واستناص : طلب المناص . قال حارثة بن بدر : .
غمر الجراء إذا قصرت عنانه ... بيدي استناص ورام جري المسحل .
" وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكفرون هذا سحر كذاب أجعل الألهة إلها وحدا إن هذا لشيء عجاب " " منذر منهم " رسول من أنفسهم " وقال الكفرون " ولم يقل : وقالوا : إظهارا للغضب عليهم ودلالة على أن هذا القول لا يجسر عليه إلآ الكافرون المتوغلون في الكفر المنهمكون في الغي الذين قال فيهم : " أولئك هم الكافرون حقا " النساء : 151 ، وهل ترى كفرا أعظم وجهلا أبلغ من أن يسموا من صدقه الله بوحيه كاذبا ويتعجبوا من التوحيد وهو الحق الذي لا يصح غيره ولا يتعجبوا من الشرك وهو الباطل الذي لا وجه لصحته . روي : أن إسلام عمر رضي الله تعالى عنه فرح به المؤمنون فرحا شديدا وشق على قريش وبلغ منهم فاجتمع خمسة وعشرون نفسا من صناديدهم ومشوا إلى أبي طالب وقالوا : أنت شيخنا وكبيرنا وقد علمت ما فعل هؤلاء السفهاء يريدون : الذين دخلوا في الإسلام وجئناك لتقضي بيننا وبين ابن أخيك فاستحضر أبو طالب رسول الله A وقال : يا ابن أخي هؤلاء قومك يسألونك السواء فلا تمل كل الميل على قومك فقال رسول الله A : " ماذا يسألونني " ؟ قالوا : ارفضنا وارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك فقال عليه السلام : " أرأيتم إن أعطيتكم ما سألتم أمعطى أنتم كلمة واحدة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم ؟ فقالوا : نعم وعشرا أي نعطيكها وعشر كلمات معها فقال : " قولوا : لا إله إلآ الله " فقاموا وقالوا : " أجعل الألهة إلها وحدا إن هذا لشيء عجاب " أي : بليغ في العجب . وقرىء : " عجاب " بالتشديد كقوله تعالى : " مكرا كبارا " نوح : 22 ، وهو أبلغ من المخفف . ونظيره : كريم وكرام وكرام : وقوله : " أجعل الألهة إلها وحدا " مثل قوله : " وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمان إناثا " الزخرف : 19 ، في أن معنى الجعل التصيير في القول على سبيل الدعوى والزعم كأنه قال : أجعل الجماعة واحدا في قوله لأن ذلك في الفعل محال . " وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على ءالهتكم إن هذا لشيء يراد ما سمعنا بهذا في الملة الأخرة إن هذا إلا اختلق " " الملأ " أشراف قريش يريد : وانطلقوا عن مجلس أبي طالب بعد ما بكتهم رسول الله A بالجواب العتيد قائلين بعضهم لبعض " امشوا واصبروا " فلا حيلة لكم في دفع أمر محمد " إن هذا الأمر " الأمر " لشيء يراد " أي : يريده الله تعالى ويحكم بإمضائه وما أراد الله كونه فلا مرد له ولا ينفع فيه إلا الصبر أو إن هذا الأمر لشيء من نوائب الدهر يراد بنا فلا انفكاك لنا منه : أو إن دينكم لشيء يراد أي : يطلب ليؤخذ منكم وتغلبوا عليه . و أن بمعنى أي : لأن المنطلقين عن مجلس التقاول لا بد لهم من أن يتكلموا ويتفاوضوا فيما جرى لهم فكان انطلاقهم مضمنا معنى القول ويجوز أن يراد بالانطلاق : الاندفاع في القول وأنهم قالوا : امشوا أي : أكثروا واجتمعوا من مشت المرأة إذا كثرت ولادتها