" تنزيل الكتاب " قرىء بالرفع على أنه مبتدأ أخبر عنه بالظرف . أو خبر مبتدأ محذوف والجار صلة التنزيل كما تقول : نزل من عند الله . أو غير صلة كقولك : هذا الكتاب من فلان إلى فلان فهو على هذا خبر بعد خبر . أو خبر مبتدأ محذوف تقديره : هذا تنزيل الكتاب هذا من الله أو حال من التنزيل عمل فيها معنى الإشارة وبالنصب على إضمار فعل نحو : اقرأ والزم . فإن قلت : ما المراد بالكتاب . قلت : الظاهر على الوجه الأول أنه القرآن وعلى الثاني : أنه السورة " مخلصا له الدين " ممحضا له الدين من الشرك والرياء بالتوحيد وتصفية السر . وقرىء : " الدين " بالرفع . وحق من رفعه أن يقرأ مخلصا - بفتح اللام - كقوله تعالى : " وأخلصوا دينهم لله " النساء : 146 ، حتى يطابق قوله : " ألا لله الدين الخالص " والخالص والمخلص : واحد إلا أن يصف الدين بصفة صاحبه على الإسناد المجازي . كقولهم : شعر شاعر وأما من جعل " مخلصا " حالا من العابد و " له الدين " مبتدأ وخبرا فقد جاء بإعراب رجع به الكلام إلى قولك : لله الدين " ألا لله الدين الخالص " أي : هو الذي وجب اختصاصه بأن تخلص له الطاعة من كل شائبة كدر لاطلاعه على الغيوب والأسرار ولأنه الحقيق بذلك لخلوص نعمته عن استجرار المنفعة بها . وعن قتادة : الدين الخالص شهادة أن لا إله إلا الله . وعن الحسن : الإسلام " والذين اتخذوا " يحتمل المتخذين وهم الكفرة والمتخذين وهم الملائكة وعيسى واللات والعزى عن ابن عباس Bهما فالضمير في " اتخذوا " على الأول راجع إلى الذين وعلى الثاني إلى المشركين ولم يجر ذكرهم لكونه مفهوما والراجع إلى الذين محذوف والمعنى : والذين اتخذهم المشركون أولياء " والذين اتخذوا " في موضع الرفع على الابتداء . فإن قلت : فالخبر ما هو ؟ قلت : هو على الأول إما " إن الله يحكم بينهم " أو ما أضمر من القول قبل قوله : " ما نعبدهم " . وعلى الثاني : أن الله يحكم بينهم . فإذ قلت : فإذا كان " إن الله يحكم بينهم " الخبر فما موضع القول المضمر ؟ قلت : يجوز أن يكون في موضع الحال أي : قائلين ذلك . ويجوز أن يكون بدلا من الصلة فلا يكون له محل كما أن المبدل منه كذلك . وقرأ ابن مسعود بإظهار القول : " قالوا ما نعبدهم " وفي قراءة أبي : ما نعبدكم إلا لتقربونا على الخطاب حكاية لما خاطبوا به آلهتهم . وقرىء : " نعبدهم " بضم النون إتباعا للعين كما تتبعها الهمزة في الأمر والتنوين في " عذاب اركض " الزمر : 3 ، والضمير في " بينهم " لهم ولأوليائهم . والمعنى : إن الله يحكم بينهم بأنه يدخل الملائكة وعيسى الجنة ويدخلهم النار مع الحجارة التي نحتوها وعبدوها من دون الله يعذبهم بها حيث يجعلهم وإياها حصب جهنم . واختلافهم : أن الذين يعبدون موحدون وهم مشركون وأولئك يعادونهم ويلعنونهم وهم يرجون شفاعتهم وتقريبهم إلى الله زلفى . وقيل : كان المسلمون إذا قالوا لهم : من خلق السموات والأرض أقروا وقالوا : الله فإذا قالوا لهم : فما لكم تعبدون الأصنام ؟ قالوا : ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى فالضمير في " بينهم " عائد إليهم وإلى المسلمينء والمعنى : إن الله يحكم يوم القيامة بين المتنازعين من الفريقين والمراد بمنع الهداية : منع اللطف تسجيلا عليهم بأن لا لطف لهم وأنهم في علم الله من الهالكين . وقرىء : كذاب وكذوب وكذبهم : قولهم في بعض من اتخذوا من دون الله أولياء : بنات الله ولذلك عقبه محتجا عليهم بقوله : " لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء " يعني : لو أراد اتخاذ الولد لامتنع ولم يصح لكونه محالا ولم يتأت إلا أن يصطفي من خلقه بعضه ويختصهم ويقربهم كما يختص الرجل ولده ويقربه . وقد فعل ذلك بالملائكة فافتتنتم به وغركم اختصاصه إياهم فزعمتم أنهم أولاده جهلا منكم به وبحقيقته المخالفة لحقائق الأجسام والأعراض كأنه قال : لو أراد اتخاذ الولد لم يزد على ما فعل من اصطفاء ما يشاء من خلقه وهم الملائكة إلا أنكم لجهلكم به حسبتم اصطفاءهم اتخاذهم أولادا ثم تماديتم في جهلكم وسفهكم فجعلتموهم بنات فكنتم كذابين كفارين متبالغين في الافتراء على الله وملائكته غالين في الكفر ثم قال : " سبحنه " فنزه ذاته عن أن يكون له أحد ما نسبوا إليه من الأولاد والأولياء . ودل على ذلك بما ينافيه وهو أنه واحد فلا يجوز أن يكون له صاحبة لأنه لو كانت له