" فإن الله غني عنكم " عن إيمانكم وإنكم المحتاجون إليه لاستضراركم بالكفر واستنفاعكم بالإيمان " ولا يرضى لعباده الكفر " رحمة لهم لأنه يوقعهم في الهلكة " وإن تشكروا يرضه لكم " أي يرض الشكر لكم لأنه سبب فوزكم وفلاحكم فإذا ما كره كفركم ولا رضي شكركم إلا لكم ولصلاحكم لا لأن منفعة ترجع إليه لأنه الغني الذي لا يجوز عليه الحاجة . ولقد تمحل بعض الغواة ليثبت لله تعالى ما نفاه عن ذاته من الرضا لعباده الكفر فقال : هذا من العام الذي أريد به الخاص وما أراد إلآ عباده الذين عناهم في قوله : " إن عبادي ليس لك عليهم سلطان " الإسراء : 65 ، يريد : المعصومين كقوله تعالى : " عينا يشرب بها عباد الله " الإنسان : 6 ، تعالى الله عما يقول الظالمون وقرىء : " يرضه " بضم الهاء بوصل وبغير وصل وبسكونها .
" وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار " " خوله " أعطاه . قال أبو النجم : .
أعطى فلم يبخل ولم يبخل ... كوم ذرا من خول مخول .
وفي حقيقته وجهان أحدهما : جعله خائل مال من قولهم : هو خائل مال وخال مال : إذا كان متعهدا له حسن القيام به ومنه ما روي عن رسول الله A : " أنه كان يتخول أصحابه بالموعظة . والثاني : جعله يخول من خال يخول إذا اختال وافتخر " وفي معناه قول العرب : " إن الغني طويل الذيل مياس " نسي ما كان يدعو إليه " أي نسي الضر الذي كان يدعو الله إلى كشفه . وقيل : نسي ربه الذي كان يتضرع إليه ويبتهل إليه وما بمعنى من كقوله تعالى : " وما خلق الذكر والأنثى " الليل : 3 ، وقرىء : " ليضل " بفتح الباء وضمها بمعنى أن نتيجة جعله لله أندادا ضلاله عن سبيل الله أو إضلاله والنتيجة : قد تكون غرضا في الفعل وقد تكون غير غرض . وقوله : " تمتع بكفرك " من باب الخذلان والتخلية كأنه قيل له : إذ قد أبيت قبول ما أمرت به من الإيمان والطاعة فمن حقك ألا تؤمر به بعد ذلك وتؤمر بتركه : مبالغة في خذلانه وتخليته وشأنه . لأنه لا مبالغة في الخذلان أشد من أن يبعث على عكس ما أمر به . ونظيره في المعنى قوله : " متاع قليل ثم مأواهم جهنم " آل عمران : 197 .
" أمن هو قانت ءاناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتفكر أولوا الألباب " و قرىء : " أمن هو قانت " بالتخفيف على إدخال همزة الاستفهام على من وبالتشديد على إدخال " أم " عليه . ومن مبتدأ خبره محذوف تقديره : أمن هو قانت كغيره وإنما حذف لدلالة الكلام عليه وهو جري ذكر الكافر قبله . وقوله بعده : " قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون " وقيل : معناه أمن هو قانت أفضل أمن هو كافر . أو أهذا أفضل أمن هو قانت على الاستفهام المتصل . والقانت : القائم بما يجب عليه من الطاعة . ومنه قوله E : " أفضل الصلاة طول القنوت " وهو القيام فيها . ومنه القنوت في الوتر لأنه دعاء المصلي قائما " ساجدا " حال . وقرىء : " ساجد وقائم " على أنه خبر بعد خبر والواو للجمع بين الصفتين . وقرىء : " ويحذر عذاب الآخرة " وأراد بالذين يعلمون : العاملين من علماء الديانة كأنه جعل من لا يعمل غير عالم . وفيه ازدراء عظيم بالذين يقتنون العلوم ثم لا يقنتون ويفتنون فيها ثم يفتنون بالدنيا فهم عند الله جهلة حيث جعل القانتين هم العلماء ويجوز أن يرد على سبيل التشبيه أي : كما لا يستوي العالمون والجاهلون كذلك لا يستوي القانتون والعاصون . وقيل : ونزلت في عمار بن ياسر Bه وأبي حذيفة بن المغيرة المخزومي . وعن الحسن أنه سئل عن رجل يتمادى في المعاصي ويرجو فقال : هذا تمن وإنما الرجاء قوله وتلا هذه الآية . وقرىء : " إنما يذكر " بالإدغام .
" قل يا عبادي الذين ءامنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب "