" فإذا قضى أمرا فإنما " يكونه من غير كلفة ولا معاناة . جعل هذا نتيجة من قدرته على الإحياء والإماتة وسائر ما ذكر من أفعاله الحالة على أن مقدورا لا يمتنع عليه كأنه قال : فلذلك من الاقتدار إذا قضى أمرا كان أهون شيء وأسرعه .
" ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا فسوف يعلمون إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون من دون الله قالوا ضلوا عنا بل لم نكن ندعو من قبل شيئا كذلك يضل الله الكافرين ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين " .
" بالكتاب " بالقرآن " وبما أرسلنا به رسلنا " من الكتب . فإن قلت : وهل قوله : " فسوف يعلمون إذ الأغلال في أعناقهم " إلى مثل قولك : سوف أصوم أمس ؟ قلت : المعنى على إذا : إلا أن الأمور المستقبلة لما كانت في أخبار الله تعالى متيقنة مقطوعا بها : عبر عنها بلفظ ما كان ووجد والمعنى على الاستقبال . وعن ابن عباس : والسلاسل يسحبون بالنصب وفتح الياء على عطف الجملة الفعلية على الاسمية . وعنه : والسلاسل يسحبون بجر السلاسل . ووجهه أنه لو قيل : إذ أعناقهم في الأغلال مكان قوله : " إذ الأغلال في أعناقهم " لكان صحيحا مستقيما فلما كانتا عبارتين معتقبتين : حمل قوله : " والسلاسل " على العبارة الأخرى . ونظيره : .
مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة ... ولا ناعب إلا ببين غرابها .
كأنه قيل : بمصلحين . وقرئ : وبالسلاسل يسحبون " في النار يسجرون " من سجر التنور إذا ملأه بالوقود . ومنه : السجير كأنه سجر بالحب أي : ملئ . ومعناه : أنهم في النار فهي محيطة بهم وهممسجورون بالنار مملوءة بها أجوافهم . ومنه قوله تعالى : " نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة " الهمزة : 7 ، اللهم أجرنا من نارك فإنا عائذون بجوارك " ضلوا عنا " أي غابوا عن عيوننا فلا نراهم ولا ننتفع بهم . فإن قلت : أما ذكرت في تفسير قوله تعالى : " إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم " الأنبياء : 98 ، : أنهم مقرونون بآلهتهم فكيف يكونون معهم وقد ضلوا عنهم . قلت : يجوز أن يضلوا عنهم إذا وبخوا وقيل لهم : إينما كنتم تشركون من دون الله فيغيثوكم ويشفعوا لكم وأن يكونوا معهم في سائر الأوقات وأن يكونوا معهم في جميع أوقاتهم إلا أنهم لما لم ينفعوهم فكأنهم ضالون عنهم " بل لم نكن ندعوا من قبل شيئا " أي : تبين لنا أنهم لم يكونوا شيئا وما كنا نعبد بعبادتهم شيئا كما تقول : حسبت أن فلانا شيء فإذا هو ليس بشيء إما خبرته فلم تر عنده خيرا " كذلك يضل الله الكافرين " مثل ضلال آلهتهم عنهم يضلهم عن آلهتهم . حتى لو طلبوا الآلهة أو طلبتهم الآلهة لم يتصادفوا " ذلكم " الإضلال بسبب ما كنا لكم من الفرح والمرح " بغير الحق " وهو الشرك وعبادة الأوثان " ادخلوا أبواب جهنم " السبعة المقسومة لكم . قال الله تعالى : " لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم " الحجر : 44 ، " خالدين " مقدرين الخلود " فبئس مثوى المتكبرين " عن الحق المستخفين به مثواكم أو جهنم . فإن قلت : أليس قياس النظم أن يقال : فبئس مدخل المتكبرين كما تقول : زر بيت الله فنعم المزار وصل في المسجد الحرام فنعم المصلى ؟ قلت : الدخول المؤقت بالخلود في معنى الثواء .
" فاصبر إن وعد الله حق فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا ترجعون "