" فإما نرينك " أصله : فإن نرك . وما مزيدة لتأكيد معنى الشرط ولذلك ألحقت النون بالفعل ألا تراك لا تقول : إن تكرمني أكرمك ولكن : إما تكرمني أكرمك . فإن قلت : لا يخلو إما أن تعطف " أو نتوفينك " على نرينك وتشركهما في جزاء واحد وهو قوله تعالى : " فإلينا ترجعون " فقولك : فإمانرينك بعض الذي نعدهم فإلينا يرجعون : غير صحيح وإن جعلت " فإلينا ترجعون " مختصا بالمعطوف الذي هو نتوفينك بقي المعطوف عليه بغير جزاء . قلت : " فإلينا ترجعون " متعلق بنتوفينك وجزاء " نرينك " محذوف تقديره : فإما نرينك بعض الذي نعدهم من العذاب وهو القتل والأسر يوم بدر فذاك . أو أن نتوفينك قبل يوم بدر فإلينا يرجعون يوم القيامة فننتقم منهم أشد الانتقام ونحوه قوله تعالى : " فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون " الزخرف : 41 - 42 .
" ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله فإذا جاء أمر الله قضى بالحق وخسر هنالك المبطلون " .
" ومنهم من لم نقصص عليك " قيل : بعث الله ثمانية آلاف نبي : أربعة آلاف من بني إسرائيل وأربعة آلاف من سائر الناس . وعن علي Bه : إن الله تعالى بعث نبيا أسود فهو ممن لم يقصص عليه . وهذا في اقتراحهم الآيات على رسول الله A عنادا يعني : إنا قد أرسلنا كثيرا من الرسل وما كان لواحد منهم " أن يأتي بآية إلا بإذن الله " فمن لي بأن آتي بآية مما تقترحونه إلا أن يشاء الله ويأذن في الإتيان بها " فإذا جاء أمر الله " وعيد ورد عقيب اقتراح الآيات . وأمر الله : القيامة " المبطلون " هم المعاندون الذين اقترحوا الآيات وقد أتتهم الآيات فأنكروها وسموها سحرا .
" الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون ويريكم آياته فأي آيات الله تنكرون " .
الأنعام : الإبل خاصة . فإن قلت : لم قال : " لتركبوا منها " ولتبلغوا عليها ولم يقل لتأكلوا منها ولتصلوا إلى منافع ؟ أو هلا قال : منها تركبون ومنها تأكلون وتبلغون عليها حاجة في صدوركم ؟ قلت : في الركوب : الركوب في الحج والغزو وفي بلوغ الحاجة : الهجرة من بلد إلى بلد لإقامة دين أو طلب علم وهذه أغراض دينية إما واجبة أو مندوب إليها مما يتعلق به إرادة الحكيم . وأما الأكل وإصابة المنافع : فمن جنس المباح الذي لا يتعلق به إرادته ومعنى قوله : " وعليها وعلى الفلك تحملون " وعلى الأنعام وحدها لا تحملون ولكن عليها وعلى الفلك في البر والبحر . فإن قلت : هلا قيل : وفي الفلك كما قال : " قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين " هود : 40 ، قلت : معنى الإيعاء ومعنى الاستعلاء : كلاهما مستقيم لأن الفلك وعاء لمن يكون فيها حمولة له يستعليها فلما صح المعنيان صحت العبارتان . وأيضا فليطابق قوله : وعليها ويزاوجه " فأي آيات الله " جاءت على اللغة المستفيضة وقولك : فأية آيات الله قليل لأن التفرقة بين المذكر والمؤنث في الأسماء غير الصفات نحو حمار وحمارة غريب . وهي في أي أغرب لإبهامه .
" أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الأرض فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون "