" وإذا " منصوب بإضمار اذكر . أو : وحين قال لهم ما قال كان كذا وكذا " تؤذونني " كانوا يؤذونه بأنواع الأذى من انتقاصه وعيبه في نفسه وجحود آياته وعصيانه فيما تعود إليهم منافعه وعبادته البقر وطلبهم رؤية الله جهرا والتكذيب الذي هو تضييع حق الله وحقه " وقد تعلمون " في موضع الحال أي : تؤذونني عالمين علما يقينا " أني رسول الله إليكم " وقضية علمكم بذلك وموجبه تعظيمي وتوقيري لا أن تؤذوني وتستهينوا بي ؛ لأن من عرف الله وعظمته عظم رسوله علما بأن تعظيمه في تعظيم رسوله ولأن من آذاه كان وعيد الله لاحق به " فلما زاغوا " عن الحق " أزاغ الله قلوبهم " بأن منع ألطافه عنهم " والله لا يهدي القوم الفاسقين " لا يلطف بهم لأنهم ليسوا من أهل اللطف . فإن قلت : ما معنى " قد " في قوله " قد تعلموا " ؟ قلت : معناه توكيد كأنه قال : وتعلمون علما يقينا لا شبهة لكم فيه .
" وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين . " قيل : إنما قال : " يا بني إسرائيل " ولم يقل : يا قوم كما قال موسى ؛ لأنه لا نسب له فيهم فيكونوا قومه . والمعنى : أرسلت إليكم في حال تصديق ما تقدمني " من التوراة " وفي حال تبشيري " برسول يأتي من بعدي " يعني : أن ديني التصديق بكتب الله وأنبيائه جميعا ممن تقدم وتأخر . وقرئ : " من بعدي " بسكون الياء وفتحها والخليل وسيبويه يختاران الفتح . وعن كعب : أن الحواريين قالوا لعيسى : يا روح الله هل بعدنا من أمة ؟ قال : نعم أمة أحمد حكماء علماء أبرار أتقياء كأنهم من الفقه أنبياء يرضون من الله باليسير من الرزق ويرضى الله منهم باليسير من العمل . فإن قلت : بمن انتصب مصدقا ومبشرا ؟ أبما في الرسول من معنى الإرسال أم بإليكم ؟ قلت : بل بمعنى الإرسال ؛ لأن " إليكم " صلة للرسول فلا يجوز أن تعمل شيئا لأن حروف الجر لا تعمل بأنفسها ولكن بما فيها من معنى الفعل ؛ فإذا وقعت صلات لم تتضمن معنى فعل فمن أين تعمل ؟ وقرئ : " هذا ساحر مبين " .
" ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين . " وأي الناس أشد ظلما ممن يدعوه ربه على لسان نبيه إلى الإسلام الذي له فيه سعادة الدارين فيجعل مكان إجابته إليه افتراء الكذب على الله بقوله لكلامه الذي هو دعاء عباده إلى الحق : هذا سحر لأن السحر كذب وتمويه . وقرأ طلحة بن مصرف : " وهو يدعي " بمعنى دعاه وادعاه نحو : لمسه والتمسه . وعنه : يدعي بمعنى يدعو وهوالله D .
" يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون . " أصله " يريدون أن يطفئوا " كما جاء في سورة براءة وكأن هذه اللام زيدت مع فعل الإرادة تأكيدا له لما فيها من معنى الإرادة في قولك : جئتك لإكرامك كما زيدت اللام في : لا أبالك تأكيدا لمعنى الإضافة في : لا أباك وإطفاء نور الله بأفواههم : تهكم بهم في إرادتهم إبطال الإسلام بقولهم في القرآن : هذا سحر مثلت حالهم بحال من ينفخ في نور الشمس بقيه ليطفئه " والله متم نوره " أي متم الحق ومبلغه غايته . وقرئ : بالإضافة .
" هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون . " " ودين الحق " الملة الحنفية " ليظهره " ليعليه " على الدين كله " على جميع الأديان المخالفة له ؛ ولعمري لقد فعل فما بقي دين من الأديان إلا وهو مغلوب مقهور بدين الإسلام . وعن مجاهد : إذا نزل عيسى لم يكن في الأرض إلا دين الإسلام . وقرئ : " أرسل نبيه " .
" يا أيها الذين أمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم . تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون . يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم . وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين . "