أرادوا بقولهم : " نشهد إنك لرسول الله " شهادة واطأت فيها قلوبهم ألسنتهم . فقال الله D : قالوا ذلك " والله يعلم " أن الأمر كما يدل عليه قولهم : إنك لرسول الله والله يشهد أنهم لكاذبون في قولهم : نشهد ؛ وادعائهم فيه المواطأة . أو إنهم لكاذبون فيه لأنه إذا خلا عن المواطأة لم يكن شهادة في الحقيقة ؛ فهم كاذبون في تسميته شهادة . أو أراد : والله يشهد إنهم لكاذبون عند أنفسهم لأنهم كانوا يعتقدون أن قولهم : " إنك لرسول الله " كذب وخبر على خلاف ما عليه حال المخبر عنه . فإن قلت : أي فائدة في قوله تعالى : " والله يعلم إنك لرسوله " ؟ قلت : لو قال : قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يشهد إنهم الكاذبون لكان يوهم أن قولهم هذا كذب ؛ فوسط بينهما قوله : " والله يعلم إنك لرسوله " ؟ ليميط هذا الإيهام " واتخذوا أيمانهم جنة " يجوز أن يراد أن قولهم نشهد إنك لرسول الله يمين من أيمانهم الكاذبة لأن الشهادة تجري مجرى الحلف فيما يراد به من التوكيد يقول الرجل : أشهد وأشهد بالله وأعزم وأعزم بالله في موضع أقسم وأولى . وبه استشهد أبو حنيفة C على أن " أشهد " يمين . ويجوز أن يكون وصفا للمنافقين في استجنانهم بالإيمان . وقرأ الحسن البصري : إيمانهم أي : ما أظهروه من الإيمان بألسنتهم . ويعضده قوله تعالى : " ذلك بأنهم أمنوا ثم كفروا " . " ساء ما كانوا يعملون " من نفاقهم وصدهم الناس عن سبيل الله . وفي " ساء " معنى التعجب الذي هو أمرهم عند السامعين " ذلك " إشارة إلى قوله : " ساء ما كانوا يعملون " أي ذلك القول الشاهد عليهم بأنهم أسوأ الناس أعمالا " ب " سبب " أنهم آمنوا ثم كفروا " أو إلى ما وصف من حالهم في النفاق والكذب والاستجنان بالأيمان أي : ذلك كله بسبب أنهم آمنوا ثم كفروا " فطبع على قلوبهم " فجسروا على كل عظيمة . فإن قلت : المنافقون لم يكونوا إلا على الكفر الثابت الدائم فما معنى قوله : " أمنوا ثم كفروا " ؟ قلت : فيه ثلاثة أوجه أحدها : آمنوا أي : نطقوا بكلمة الشهادة وفعلوا كما يفعل من يدخل في الإسلام ثم كفروا : ثم ظهر كفرهم بعد ذلك وتبين بما أطلع عليه من قولهم : إن كان ما يقوله محمد حقا فنحن حمير وقولهم في غزوة تبوك : أيطمع هذا الرجل أن تفتح له قصور كسرى وقيصر هيهات . ونحوه قوله تعالى : " يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم " التوبة : 74 أي : وظهر كفرهم بعد أن أسلموا . ونحوه قوله تعالى : " لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم " التوبة : 66 والثاني آمنوا : أي نطقوا بالإيمان عند المؤمنين ثم نطقوا بالكفر عند شياطينهم استهزاء بالإسلام كقوله تعالى : " إذا لقوا الذين آمنوا " إلى قوله تعالى : " إنما نحن مستهزؤون " البقرة : 14 والثالث : أن يراد أهل الردة منهم . وقرئ : " فطبع على قلوبهم " وقرأ زيد بن علي : " فطبع الله " .
" وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون . "