كان عبد الله بن أبي رجلا جسيما صبيحا فصيحا ذلق اللسان وقوم من المنافقين في مثل صفته وهم رؤساء المدينة وكانوا يحضرون مجلس رسول الله A فيستندون فيه ولهم جهارة المناظر وفصاحة الألسن ؛ فكان النبي A ومن حضر يعجبون بهياكلهم ويسمعون إلى كلامهم . فإن قلت : ما معنى قوله : " كأنهم خشب مسندة " ؟ قلت : شبهوا في استنادهم - وما هم إلا أجرام خالية عن الإيمان والخير - بالخشب المسندة إلى الحائط ؛ ولأن الخشب إذا انتفع به كان في سقف أو جدار أو غيرهما من مظان الانتفاع وما دام متروكا فارغا غير منتفع به أسند إلى الحائط فشبهوا به في عدم الانتفاع . ويجوز أن يراد بالخشب المسندة : الأصنام المنحوتة من الخشب المسندة إلى الحيطان ؛ شبهوا بها في حسن صورهم وقلة جدواهم ؛ والخطاب في " رأيتهم تعجبك " لرسول الله أو لكل من يخاطب . وقرئ : " يسمع " على البناء للمفعول وموضع " كأنهم خشب " رفع على هم كأنهم خشب . أو هو كلام مستأنف لا محل له . وقرئ : " خشب " جمع خشبة كبدنة وبدن . وخشب كثمرة وثمر . وخشب كمدرة ومدر وهي في قراءة ابن عباس . وعن اليزيدي أنه قال في " خشب " : جمع خشباء والخشباء : الخشبة التي دعر جوفها شبهوا بها في نفاقهم وفساد بواطنهم " عليهم " ثاني مفعولي يحسبون أي : يحسبون كل صيحة واقعة عليهم وضارة لهم لجبنهم وهلعهم وما في قلوبهم من الرعب إذا نادى مناد في العسكر أو انفلتت دابة أو أنشدت ضالة ظنوه إيقاعا بهم . وقيل : كانوا على وجل من أن ينزل الله فيهم ما يهتك أستارهم ويبيح دماءهم وأموالهم . ومن أخذ الأخطل : .
ما زلت تحسب كل شيء بعدهم ... خيلا تكر عليهم ورجالا .
يوقف على " عليهم " ويبتدأ " هم العدو " أي الكاملون في العداوة : لأن أعدى الأعداء العدو المداجي الذي يكاشرك وتحت ضلوعه الداء الدوي " فاحذرهم " ولا تغترر بظاهرهم . ويجوز أن يكون " هم العدو " المفعول الثاني كما لو طرحت الضمير . فإن قلت : فحقه أن يقال : هي العدو . قلت : منظور فيه إلى الخبر كما ذكر في " هذا ربي " الأنعام : 76 وأن يقدر مضاف محذوف على : يحسبون كل أهل صيحة " قاتلهم الله " دعاء عليهم وطلب من ذاته أن يلعنهم ويخزيهم . أو تعليم للمؤمنين أن يدعوا عليهم بذلك " أنى يؤفكون " كيف يعدلون عن الحق تعجبا من جهلهم وضلالتهم .
" إذا قيل تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون . سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين . " " لووا رءوسهم " عطفوها وأما لوها إعراضا عن ذلك واستكبارا . وقرئ : بالتخفيف والتشديد للتكثير .
" هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون . يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون . " روي :