" ألم يأتكم " الخطاب لكفار مكة . " ذلك " إشارة إلى ما ذكر من الوبال الذي ذاقوه في الدنيا وما أعد لهم من العذاب في الآخرة " بأنه " بأن الشأن والحديث " كانت تأتيهم رسلهم...أبشر يهدوننا " أنكروا أن تكون الرسل بشرا ولم ينكروا أن يكون الله حجرا " واستغنى الله " أطلق ليتناول كل شيء ومن جملته إيمانهم وطاعتهم . فإن قلت : قوله : " وتولوا واستغنى الله " يوهم وجود التولي والاستغناء معا والله تعالى لم يزل غنيا . قلت : معناه : وظهر استغناء الله حيث لم يلجئهم إلى الإيمان ولم يضطرهم إليه مع قدرته على ذلك .
" زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير . فأمنوا بالله ورسله والنور الذي أنزلنا والله بما تعملون خبير . " الزعم : ادعاء العلم : ومنه قوله E : 1188 " زعموا مطية الكذب " وعن شريح : لكل شيء كنية وكنية الكذب " زعموا " ويتعدى إلى المفعولين تعدي العلم . قال : ولم أزعمك عن ذاك معزلا و " أن " مع ما في حيزه قائم مقامهما . والذين كفروا . أهل مكة . و " بلى " إثبات لما بعد لن وهو البعث " وذلك على الله يسير " أي لا يصرفه عنه صارف . وعنى برسوله والنور : محمدا A والقرآن .
" يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم . والذين كفروا وكذبوا بأياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير . " وقرئ : " نجمعكم " ونكفر . وندخله بالياء والنون . فإن قلت : بم انتصب الظرف ؟ قلت : بقوله : لتنبؤن أو بخبير لما فيه من معنى الوعيد كأنه قيل : والله معاقبكم يوم يجمعكم أو بإضمار " اذكر " " ليوم الجمع " ليوم يجمع فيه الأولون والآخرون . التغابن : مستعار من تغابن القوم في التجارة ؛ وهو أن يغبن بعضهم بعضا لنزول السعداء منازل الأشقياء التي كانوا ينزلونها لو كانوا سعداء ونزول الأشقياء منازل السعداء التي كانوا ينزلونها لو كانوا أشقياء . وفيه تهكم بالأشقياء ؛ لأن نزولهم ليس بغبن . وفي حديث رسول الله A : 1189 " ما من عبد يدخل الجنة إلا أرى مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا . وما من عبد يدخل النار إلا أرى مقعده من الجنة لو أحسن ليزداد حسرا " ومعنى " ذلك يوم التغابن " . وقد يتغابن الناس في غير ذلك اليوم : استعظام له وأن تغابنه هو التغابن في الحقيقة لا التغابن في أمور الدنيا وإن جلت وعظمت " صالحا " صفة للمصدر أي : عملا صالحا .
" ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم . " " إلا بإذن الله " إلا بتقديره ومشيئته كأنه أذن للمصيبة أن تصيبه " يهد قلبه " يلطف به ويشرحه للازدياد من الطاعة والخير . وقيل : هو الاسترجاع عند المصيبة . وعن الضحاك : يهد قلبه حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه . وما أخطأه لم يكن ليصيبه . وعن مجاهد : إن ابتلى صبر وإن أعطى شكر وإن ظلم غفر . وقرئ : " يهد قلبه " على البناء للمفعول والقلب : مرفوع أو منصوب . ووجه النصب : أن يكون مثل سفه نفسه أي : يهد في قلبه . ويجوز أن يكون المعنى : أن الكافر ضال عن قلبه بعيد منه والمؤمن واجد له مهتد إليه كقوله تعالى : " لمن كان له قلب " ق : 37 وقرئ : " نهد قلبه " بالنون . ويهد قلبه بمعنى : يهتد . ويهدأ قلبه : يطمئن . ويهد . ويهدا على التخفيف " والله بكل شيء عليم " يعلم ما يؤثر فيه اللطف من القلوب مما لا يؤثر فيه فيمنحه ويمنعه .
" وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين . الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون . " " فإن توليتم " فلا عليه إذا توليتم لأنه لم يكتب عليه طاعتكم إنما كتب عليه أن يبلغ ويبين فحسب " وعلى الله فليتوكل المؤمنون " بعث لرسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم على التوكل عليه والتقوى به في أمره حتى ينصره على من كذبه وتولى عنه .
" يا أيها الذين أمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم . إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم . "