" أسكنوهن " وما بعده : بيان لما شرط من التقوى في قوله : " ومن يتق الله " كأنه قيل : كيف نعمل بالتقوى في شأن المعتدات ؟ فقيل : اسكنوهن . فإن قلت : من في " من حيث سكنتم " ما هي ؟ قلت : هي من التبعيضية مبعضها محذوف معناه : أسكنوهن مكانا من حيث سكنتم أي بعض مكان سكناكم كقوله تعالى : " يغضوا من أبصارهم " النور : 30 أي بعض أبصارهم . قال قتادة : إن لم يكن إلا بيت واحد فأسكنها في بعض جوانبه . فإن قلت : فقوله : " من وجدكم " ؟ قلت : هو عطف بيان لقوله : " من حيث سكنتم " وتفسير له كأنه قيل : أسكنوهن مكانا من مسكنكم مما تطيقونه . والوجد : الوسع والطاقة . وقرئ بالحركات الثلاث . والسكنى والنفقة : واجبتان لكل مطلقة . وعند مالك والشافعي : ليس للمبتوتة إلا السكنى ولا نفقة لها . وعن الحسن وحماد : لا نفقة ولا سكنى لها لحديث فاطمة بنت قيس : 1204 أن زوجها أبت طلاقها فقال لها رسول الله A : لا سكنى لك ولا نفقة . وعن عمر Bه : 1205 لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة لعلها نسيت أو شبه لها : سمعت النبي A يقول : " لها السكنى والنفقة " " ولا تضاروهن " ولا تستعملوا معهن الضرار " لتضيقوا عليهن " في المسكن ببعض الأسباب : من إنزال من لا يوافقهن أو يشغل مكانهن أو غير ذلك حتى تضطروهن إلى الخروج . وقيل : هو أن يراجعها إذا بقي من عدتها يومان ليضيق عليها أمرها . وقيل : هو أن يلجئها إلى أن تفتدي منه . فإن قلت : فإذا كانت كل مطلقة عندكم تجب لها النفقة فما فائدة الشرط في قوله : " وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن " قلت : فائدته أن مدة الحمل ربما طالت فظن ظان أن النفقة تسقط إذا مضى مقدار عدة الحائل فنفى ذلك الوهم . فإن قلت : فما تقول في الحامل المتوفى عنها ؟ قلت : مختلف فيها ؛ فأكثرهم على أنه لا نفقة لها لوقوع الإجماع على أن من أجبر الرجل على النفقة عليه من امرأة أو ولد صغير لا يجب أن ينفق عليه من ماله بعد موته فكذلك الحامل . وعن علي وعبد الله وجماعة : أنهم أوجبوا نفقتها " فإن أرضعن لكم " يعني هؤلاء المطلقات إن أرضعن لكم ولدا من غيرهن أو منهن بعد انقطاع عصمة الزوجية " فأتوهن أجورهن " حكمهن في ذلك حكم الأظار ولا يجوز عند أبي حنيفة وأصحابه Bهم الاستئجار إذا كان الولد منهم ما لم يبن . ويجوز عند الشافعي . الائتمار بمعنى التآمر كالاشتوار بمعنى التشاور . يقال : ائتمر القوم وتآمروا إذا أمر بعضهم بعضا . والمعنى : وليأمر بعضكم بعضا والخطاب للآباء والأمهات " بمعروف " بجميل وهو المسامحة وأن لا يماكس الأب ولا تعاسر الأم لأنه ولدهما معا وهما شريكان فيه وفي وجوب الإشفاق عليه " وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى " فستوجد ولا تعوز مرضعة غير الأم ترضعه ؛ وفيه طرف من معاتبة الأم على المعاسرة كما تقول لمن تستقضيه حاجة فيتوانى : سيقضيها غيرك تريد : لن تبقى غير مقضية وأنت ملوم وقوله : " له " أي للأب أي : سيجد الأب غير معاسرة ترضع له ولده إن عاسرته أمه " لينفق " كل واحد من الموسر والمعسر ما بلغه وسعه يريد : ما أمر به من الإنفاق على المطلقات والمرضعات كما قال : " ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره " البقرة : 236 وقرئ : " لينفق " بالنصب أي شرعنا ذلك لينفق . وقرأ ابن أبي عبلة " قدر " " سيجعل الله " موعد لفقراء ذلك الوقت بفتح أبواب الرزق عليهم أو لفقراء الأزواج إن أنفقوا ما قدروا عليه ولم يقصروا .
" وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا . فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا . أعد الله لهم عذابا شديدا فاتقوا الله يا أولي الألباب الذين أمنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا . رسولا يتلوا عليكم آيات الله مبينات ليخرج الذين أمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا قد أحسن الله له رزقا . "