" تبارك " تعالى وتعاظم عن صفات المخلوقين " الذي بيده الملك " على كل موجود " وهو على كل " ما لم يوجد مما يدخل تحت القدرة " قدير " وذكر اليد مجاز عن الإحاطة بالملك والتسلاء عليه . والحياة : ما يصح بوجوده الإحساس . وقيل : ما يوجب كون الشيء حيا وهو الذي يصح منه أن يعلم ويقدر . والموت عدم ذلك فيه ومعنى خلق الموت والحياة : إيجاد ذلك المصحح وإعدامه . والمعنى : خلق موتكم وحياتكم أيها المكلفون " ليلبوكم " وسمى علم الواقع منهم باختبارهم بلوى وهي الخبرة استعارة من فعل المختبر . وحوه قوله تعالى : " ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم " محمد : 31 . فإن قلت : من أين تعلق قوله : " أيكم أحسن عملا " بفعل البلوى ؟ قلت : من حيث أنه تضمن معنى العلم فكأنه قيل : ليعلمكم أيكم أحسن عملا ؛ وإذا قلت : علمته أزيد أحسن عملا أم هو ؟ كانت هذه الجملة واقعة موقع الثاني من مفعوله كما تقول : علمته هو أحسن عملا . فإن قلت : أتسمي هذا تعليقا ؟ قلت : لا إنما التعليق أن توقع بعده ما يسد مسد المفعولين حميعا كقولك : علمت أيهما عمرو وعلمت أزيد منطلق . ألا ترى أنه لا فصل بعد سبق أحد المفعولين بين أن يقع ما بعده مصدرا بحرف الإستفهام وغير مصدر به ولو كان تعليقا لا فترقت الحالتان كما افترقتا في قولك : علمت أزيد منطلق . وعلمت زيدا منطلقا . " احسن عملا " . قيل : أخلصه وأصوبه ؛ لأنه إذا كان خالصا غير صواب لم يقبل وكذلك إذا كان صوابا غير خالص ؛ فالخالص : أن يكون لوجه الله تعالى ؛ والصواب : أن يكون على السنة . وعن النبي A أنه تلاها فلما بلغ قوله : " أيكم أحسن عملا " قال : أيكم أحسن عقلا وأورع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله يعني : أيكم أتم عقلا عن الله وفهما لأغراضه ؛ والمراد : أنه أعطاكم الحياة التي تقدرون بها على العمل وتستمكنون منه وسلط عليكم الموت الذي هو داعيكم إلى اختيار العمل الحسن على القبيح لأن وراءه البعث والجزاء الذي لا بد منه . وقدم الموت على الحياة لأن أقوى الناس داعيا إلى العمل من نصب موته بين عينيه فقدم لأنه فيما يرجع إلى الغرض المسوق له الآية أهم " وهو العزيز " الغالب الذي لا يعجزه من أسماء العمل " الغفور " لمن تاب من أهل الإساءة " طباقا " مطابقة بعضها فوق بعض من طابق النعل : إذا خصفها طبقا على طبق وهذا وصف بالمصدر . أو على ذات طباق أو على : طوبقت طباقا " من تفاوت " وقرىء : من تفوت ومعنى البناءين واحد كقولهم : تظاهروا من نسائهم . وتظهروا . وتعاهدته وتعهدته أي : من اختلاف واضطراب في الخلقة ولا تناقض ؛ إنما هي مستوية مستقيمة . وحقيقة التفاوت : عدم التناسب كأن بعض الشيء يفوت بعضا ولا يلائمه . ومنه قولهم : خلق متفاوت . وفي نقيضه : متناصف . فإن قلت : كيف موقع هذه الجملة مما قبلها ؟ قلت : هي صفة مشايعة لقوله : " طباقا " وأصلها : ما ترى فيهن من تفاوت فوضع مكان الضمير قوله " خلق الرحمن " تعظيما لخلقهن وتنبيها على سبب سلامتهن من التفاوت : وهو أنه خلق الرحمن وأنه بباهر قدرته هو الذي يخلق مثل ذلك الخلق المتناسب والخطاب في ما ترى للرسول أو لكل مخاطب