وقوله تعالى : " فارجع البصر " متعلق به على معنى التسبيب ؛ أخبره بأنه لا تفاوت في خلقهن ثم قال : " فارجع البصر " حتى يصح عندك ما أخبرت به المعانية ولا تبقى معك شبهة فيه " هل ترى من فطور " من صدوع وشقوق : جمع فطر وهو الشق . يقال : فطره فانفطر . ومنه : فطر ناب البعير كما يقال : شق وبزل . ومعناه : شق اللحم فطلع . وأمره بتكرير البصر فيهن متصفحا ومتتبعا يلتمس عيبا وخللا " ينقلب إليك " أي إن رجعت البصر وكررت النظر لم يرجع إليك بصرك بما التمسته من رؤية الخلل وإدراك العيب بل يرجع إليك بالخسوء والحسور أي : بالبعد عن إصابة الملتمس كأنه يطرد عن ذلك طردا بالصغار والقماءة وبالإعياء والكلال لطول الإجالة والترديد . فإن قلت : كيف ينقلب البصر خاسئا حسيرا برجعه كرتين اثنتين ؟ قلت : معنى التثنية التكرير بكثرة كقولك : لبيك وسعديك تريد إجابات كثيرة بعضها في أثر بعض وقولهم في المثل : دهدرين سعد القين من ذلك أي : باطلا بعد باطل . فإن قلت : فما معنى ثم ارجع ؟ قلت : أمره برجع البصر ثم أمره بأن لا يقتنع بالرجعة الأولى وبالنظرة الحمقاء وأن يتوقف بعدها ويجم بصره ثم يعاود ويعاود إلى أن يحسر بصره من طول المعاودة فإنه لا يعثر على شيء من فطور .
" ولقد زينا السماء الدنيا بمصبيح وجعلها رجوما للشيطين وأعتدنا لهم عذاب السعير " " الدنيا " القربى ؛ لأنها أقرب السموات إلى الناس ومعناها : السماء الدنيا منكم .
والمصابيح السرج سميت بها الكواكب والناس يزينون مساجدهم ودورهم بأثقاب المصابيح فقيل : ولقد زينا سقف الدار التي اجتمعتم فيها " بمصابيح " أي بأي مصابيح لا توازيها مصابيحكم إضاءة وصممنا إلى ذلك منافع أخرى : أنا جعلناها رجوما لأعدائكم للشياكين الذين يخرجونكم من النور إلى الظلمات وتهتدون بها في ظلمات البر والبحر . قال قتادة : خلق الله النجوم لثلاث : زينة للسماء ورجوما للشياطين وعلامات يهتدي بها . فمن تأول فيها غير ذلك فقد تكلف مالا علم له به وعن محمد بن كعب : في السماء والله ما لأحد من أهل الأرض في السماء نجم ولكنهم يبتغون الكهانة ويتخذون النجوم علة . والرجوم : جمع رجم : وهو مصدر سمي به ما يرجم به . ومعنى كونها مراجم للشياطين : أن الشهب التي تنقض لرمي المسترقة منهم منفصلة من نار الكواكب لا أنهم يرجمون بالكواكب أنفسها ؛ لأنها قارة في الفلك على حالها . وما ذاك إلا كقبس يؤخذ من نار والنار ثابتة كاملة لا تنقص . وقيل : من الشياطين المرجومة من يقتله الشهاب . ومنهم من يخبله . وقيل : معناه وحعلناها ظنونا ورجوما بالغيب لشياطين الإنس وهم النجامون . " وأعتدنا لهم عذاب السعير " في الآخرة بعد عذاب الإحراق بالشهب في الدنيا .
" وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور تكاد تميز من الغيظ كلما ألقى فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شىء إن أنتم إلا في ضلال كبير وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحب السعير فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير "