المشي في مناكبها : مثل لفرط التذليل ومجاوزته الغاية ؛ لأن المنكبين وملتقاهما من الغارب أرق شيء من البعير وأنباه عن أن يطأه الراكب بقدمه ويعتمد عليه فإذا جعلها في الذل بحيث يمشي في مناكبها لم يترك . وقيل : مناكبها جبالها . قال الزجاج : معناه سهل لكم السلوك في جبالها فإذا أمكنم السلوك في جبالها فإذا أمكنكم السلوك في جبالها فهو أبلغ التذليل . وقيل : جوانبها . والمعنى : وإليه نشوركم فهو مسائلكم عن شكر ما انعم به عليكم .
" ءأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هى تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير " " من في السماء " فيه وجهان : أحدهما من ملكوته في السماء ؛ لأنها مسكن ملائكته وثم عرشه وكرسيه واللوح المحفوظ ومنها تنزل قضاياه وكتبه وأوامره ونواهيه . والثاني : أنهم كانوا يعتقدون التشبيه وأنه في السماء وأن الرحمة والعذاب ينزلان منه وكانوا يدعونه من جهتها فقيل لهم على حسب اعتقادهم : أأمنتم من تزعمون أنه في السماء وهو متعال عن المكان أن يعذبكم بخسف أو بحاصب كما تقول لبع المشبهة : أما تخاف من فوق العرش أن يعاقبك بما تفعل إذا رأيته يركب بع المعاصي " فستعلمون " قرئ : بالتاء والياء " كيف نذير " أي إذا رأيتم المنذر به علمتم كيف إنذاري حين لا ينفعكم العلم " صفت " باسطات أجنحتهن في الجو عند طيرانها ؛ لأنهن إذا بسطتها صففن قوادمها صفا " ويقبضن " ويضممنها إذا ضربن بها جنوبهن . فإن قلت : لم قيل : ويقبضن ولم يقل : وقابضات ؟ قلت : لأن الأصل في الطيران هو صف الأجنحة ؛ لأن الطيران في الهواء كالسباحة في الماء والأصل في السباحة مد الأطراف وبسطها . وأما القبض فطارئ على البسط للأستظهار به على التحرك فجيء بما هو طار غير أصل بلفظ الفعل على معنى أنهن صافات ويكون منهن القبض تارة كما يكون من السابح " ما يمسكهن إلا الرحمن " بقدرته وبما دبر لهن من القوادم والخوافي وبنى الأجسام على شكل وخصائص قد تأتى منها الجري في الجو " إنه بكل شئ بصير " يعلم كيف يخلق يدبر العجائب .
" أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن إن الكفرون إلا في غرور أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجوا في عتو ونفور " " أمن " يشار إليه من الجموع ويقال " هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون " الله إن أرسل عليكم عذابه " أمن " يشار إليه ويقال " هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه " وهذا على التقدير . ويجوز أن يكون إشارة إلى جميع الأوثان لاعتقادهم أنهم يحفظون من النوائب ويرزقون ببركة آلهتهم فكأنهم الجند الناصر والرازق . ونحوه قوله تعالى : " أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا " الأنبياء : 43 . " بل لجوأ في عتو ونفور " بل تمادوا في عناد وشراد عن الحق لثقله عليهم فلم يتبعوه .
" أفمن يمشى مكبا على وجهه أهدى أمن يمشى سويا على صراط مستقيم قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصر والأفئدة قليلا ما تشكرون قل هو الذي ذراكم في الأرض وإليه تحشرون "