يجعل أكب مطاوع " كبه " يقال : كببته فأكب من الغرائب والشواذ . ونحوه : قشعت الريح السحاب فأقشع وما هو كذلك ؛ ولا شيء من بناء أفعل مطاوعا ولا يتقن نحو هذا إلا حملة كتاب سيبويه ؛ وإنما أكب من باب انفض وألأم ومعناه : دخل في الكب وصار ذا كب ؛ وكذلك أقشع السحاب : إذا دخل في القشع . ومطاوع كب وقشع : انكب وانقشع . فإن قلت ما معنى " يمشي مكيا على وجهه " ؟ وكيف قابل " يمشي سويا على صراط مستقيم " ؟ قلت : معناه : يمشي معتسفا في مكان معتاد غير مستو فيه انخفاض وارتفاع فيعثر كل ساعة فيخر على وجهه منكبا فحاله نقيض حال من يمشي سويا أي : قائما سالما من العثور والخرور . أو مستوي الجهة قليل الانحراف خلاف المعتسف الذي ينحرف هكذا وهكذا على طريق مستو . ويجوز أن يراد الأعمى الذي لا يهتدي إلى الطريق فيعتسف فلا يزال ينكب على وجهه وانه ليس كالرجل السوي الصحيح البصر الماشي في الطريق المهتدي له وهو مثل للمؤمن والكافر . وعن قتادة : الكافر أكب على معاصي الله تعالى فحشره الله يوم القيامة على وجهه . وعن الكلبي : عنى به أبو جهل بن هشام . وبالسوي : رسول الله A وقيل : حمزة بن عبد المطلب Bه .
" ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذي كنتم به تدعون " " فلما رأوه " الضمير للوعد . والزلفة : القرب وانتصابها على الحال أو الظرف أي : رأوه ذا زلفة أو مكانا ذا زلفة " سيئت وجوه الذين كفروا " أي ساءت رؤية الوعد وجوههم : بأن علتها الكآبة وغشيها الكسوف والقترة وكلحوا وكما يكون وجه من يقاد إلى القتل أو يعرض على بعض العذاب " وقيل " القائلون : الزبانية " تدعون " تفتعلون من الدعاء أي : تطلبون وتستعجلون به . وقيل : هو من الدعوى أي : كنتم بسببه تدعون أنكم لا تبعثون . وقرئ : تدعون وعن بعض الزهاد : أنه تلاها في أول الليل في صلاته فبقي يكررها وهو يبكي إلى أن تودي لصلاة الفجر ولعمري إنها لوقاذة لم تصور تلك الحالة وتأملها .
" قل أرء يتم إن أهلكني الله ومن معي أو رجمنا فمن يجير الكافرين من عذاب أليم " كان كفار مكة يدعون على رسول الله A وعلى المؤمنين بالهلاك فأمر بأن يقول لهم : نحن مؤمنون متربصون لإحدى الحسنيين : إما أن نهلك كما تتمنون فنقلب إلى الجنة او نرحم بالنصرة والإدلة للإسلام كما نرجو فأنتم ما تصنعون ؟ من يحيركم - وأنتم كافرون - من عذاب النار ؟ لا بد لكم منه يعني : إنكم تطلبون لنا الهلاك الذي هو استعجال للفوز والسعادة وأنتم في أمر هو الهلاك الذي لا هلاك بعده وأنتم غافلون لا تطلبون الخلاص منه . أو إن أهلكنا الله بالموت فمن يجيركم بعد موت هداتكم والآخذين بحجزكم من النار وإن رحمنا بالإمهال والغلبة عليكم وقتلكم فمن يجيركم ؛ فإن المقتول على أيدينا هالك . أو إن أهلكنا الله في الآخرة بذنوبنا ونحن مسلمون فمن يجير الكافرين وهم أولى بالهلاك لكفرهم ؛ وإن رحمنا بالإيمان فيمن يجير من لا إيمان فيمن يجير من لا إيمان له .
" قل هو الرحمن ءامنا به وعليه توكلنا فستعلمون من هو في ضلال مبين " فإن قلت لم أخر مفعول آمنا وقدم مفعول توكلنا ؟ قلت : لوقوع آمنا تعريضا بالكافرين حين ورد عقيب ذكرهم كأنه قيل : آمنا ولم نكفر كما كفرتم ثم قال : وعليه توكلنا خصوصا لم نتكل على ما أنتم متكلون عليه من رجالكم وأموالكم .
" قل أرءيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين " " غورا " غائرا ذاهبا في الأرض . وعن الكلبي لا تناله الدلاء وهو وصف بالمصدر كعدل ورضا . وعن بعض الشطار أنها تليت عنده فقال : تجيء به الفؤوس والمعاول فذهب ماء عينيه ؛ نعوذ بالله من الجراءة على الله وعلى آياته .
سورة ن .
مكية وهي اثنان وخمسون آية .
بسم اله الرحمن الرحيم .
" ن والقلم وما يسطرون "