يكشف الرحمن عن ساقه ؛ فأما المؤمنون فيخرون سجدا وأما المنافقون فتكون ظهورهم طبقا طبقا كأن فيها سفافيد ومعناه : يشتد أمر الرحمن ويتفاقم هوله وهو الفزع الأكبر يوم القيامة ثم كان من حق الساق أن تعرف على ما ذهب إليه المشبه لأنها ساق مخصوصة معهودة عنده وهي ساق الرحمن . فإن قلت : فلم جاءت منكرة في التمثيل ؟ قلت : للدلالة على انه أمر مبهم في الشدة منكر خارج عن المألوف كقوله : " يوم يدع الداع إلى شيء نكر " القمر : 6 كأنه قيل : يوم يقع أمر فظيع هائل ؛ ويحكى هذا التشبيه عن مقاتل : وعن أبي عبيدة : خرج من خراسان رجلان أحدهما : شبه حتى مثل وهو مقاتل بن سليمان والآخر نفي حتى عطل وهو جهم بن صفوان ؛ ومن أحسن بعظم مضار فقد هذا العلم علم مقدار عظم منافعه . وقرئ : يوم نكشف بالنون . وتكشف بالتاء على البناء للفاعل والمفعول جميعا والفعل للساعة أو للحال أي : يوم تشتد الحال أو لساعة كما تقول : كشفت الحرب عن ساقها على المجاز . وقرئ : نكشف يالتاء المضمومة وكسر الشين من أكشف : إذا دخل في الكشف . ومنه . أكشف الرجل فهو مكشف إذا انقلبت شفته العليا . وناصب الظرف : فليأتوا . أو إضمار اذكر أو يوم يكشف عن ساق كان كيت وكيت فحذف للتهويل البليغ . وإن ثم من الكوائن ما لا يوصف لعظمه . عن ابن مسعود Bه : تعقم أصلابهم أي ترد عظاما بلا مفاصل لا تنثني عند الرفع والخفض . وفي الحديث : وتبقى أصلابهم طبقا واحدا أي فقارة واحدة . فإن قلت : لم يدعون إلى السجود ولا تكليف ؟ قلت : لا يدعون إليه تعبدا وتكليفا ولكن توبيخا وتعنيفا على تركهم السجود في الدنيا مع إعقام أصلابهم والحيلولة بينهم وبين الاستطاعة تحسيرا لهم وتنديما على ما فرطوا فيه حين دعوا إلى السجود وهم سالمون الأصلاب والمفاصليمكنون مزاحو العلل فيما تعبدوا به .
" فذرنى ومن يكذب بهاذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملى لهم إن كيدي متين " يقال : ذرني وإياه يريدون كله إلي فإني أكفيه كأنه يقول : حسبك إيقاعا به أن تكل أمره إلي وتخلي بيني وبينه فإني عامل بما يجب أن يفعل به مطبق له والمراد : حسبي مجازيا لمن يكذب بالقرآن فلا تشغل قلبك بشأنه وتوكل علي في الانتقام منه تسلية لرسول الله A وتهديدا للمكذبين . استدرجه إلى كذا : إذا استنزله إليه درجة فدرجة حتى يورطه فيهز واستدراج الله العصاة أن يرزقهم الصحة والنعمة فيجعلوا رزق الله ذريعة ومتسلقا إلى ازياد الكفر والمعاصي " من حيث لا يعلمون " أي : من الجهة التي لا يشعرون أنه استدراج وهو الإنعام عليهم لأنهم يحسبونه إيثارا لهم وتفضيلا على المؤمنين وهو سبب لهلاكهم " وأملى لهم " وأمهلهم كقوله تعالى : " إنما نملي لهم ليزدادوا إثما " آل عمران : 178والصحة والرزق والمد في العمر : إحسان من الله وإفضال يوجب عليهم الشكر والطاعة ولكنهم يجعلونه سببا في الكفر باختيارهم فلما تدرجوا به إلى الهلاك وصف المنعم بالاستدراج . وقيل : كم من مستدرج بالإحسان إليه وكم من مفتون بالثناء عليه وكم من مغرور بالستر عليه . وسمي إحسانه وتمكينه كبدا كما سماه استدراجا لكونه في صورة الكيد حيث كان سببا للتورط في الهلكة ووصفه بالمتانة لقوة أثر إحسانه في التسبب للهلاك .
" أم تسئلهم أجرا فهم من مغرم مثقلون أم عندهم الغيب فهم يكتبون " المغرم : الغرامة أي لم تطلب منهم على الهداية والتعليم أجرا فيثقل عليهم حمل الغرامات في أموالهم فيثبطهم ذلك عن الإيمان " أم عندهم الغيب " أي اللوح " فهم يكتبون " منه ما يحكمون به .
" فأصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم فاجفاجتباه ربه فجعله من الصالحين "