أي أي شيء هي تفخيما لشأنها وتعظيما لهولها فوضع الظاهر موضع المضمر ؛ لأنه أهول لها " وما أدراك " وأي شيء أعلمك ما الحاقة ؟ يعني : أنك لا علم لك بكنهها ومدى عظمها عى أنه من العظم والشدة بحيث لا يبلغه دراية أحد ولا وهمه وكيفما قدرت حالها فهي أعظم من ذلك وما في موضع الرفع على الابتداء . و " أدراك " معلق عنه لتضمنه معنى الا ستفهام . القارعة التي تقرع الناس بالأفزاع والأهوال والسماء بالانشقاق والإنفطار والأرض والجبال بالدك والنسف والنجوم بالطمس والانكدار . ووضعت موضع الضمير لتدل على معنى القرع . في الحاقة : زيادة في وصف شدتها ؛ ولما ذكرها وفخمها أتبع ذكر ذلك ذكر من كذب بها وما حل بهم بسبب التكذيب تذكيرا لأهل مكة وتخويفا لهم من عاقبة تكذيبهم " بالطاغية " بالواقعة المجاوزة للحد في الشدة . واختلف فيها فقيل : الرجفة . وعن ابن عباس : الصعقة . وعن قتادة : بعث الله عليهم صيحة فأهمدتهم . وقيل : الطاغية مصدر كالعافية أي : بطغيانهم ؛ وليس بذاك لعدم الطباق بينها وبين قوله " بريح صرصر " والصرصر : الشديدة الصوت لها صرصرة .
وقيل : الباردة من الصر كأنها التي كرر فيها البرد وكثر : فهي تحرق لشدة بردها " عاتية " شديدة العصف والعتو استعارة . أو عتت على عاد فما قدروا على ردها بحيلة من استتار ببناء أو لياذ بجبل أو اختفاء في حفرة ؛ فإنها كانت تنزعهم من مكامنهم وتهلكهم . وقيل : عنت على خزانها فخرجت بلا كسل ولا وزن : وروي عن رسول الله A : ما أرسل الله سفينة من ريح إلا بمكيال ولا قطرة من مطر إلا بمكيال إلا يوم عاد ويوم نوح فإن الماء يوم نوح طغى على الخزان فلم يكن لهم عليه السبيل ثم قرأ : " إنا لما طغا الماء حملناكم في الجارية " الحاقة : 11 وإن الريح يوم عاد عتت على الخزان فلم يكن لهم عليه سبيل ثم قرأ " بريح صرصر عاتية " ولعلها عبارة عن الشدة والإفراط فيها . الحسوم : لا يخلو من أن يكون جمع حاسم كشهود وقعود . أو مصدرا كالشكور والكفور ؛ فإن كان جمعا فمعنى قوله : " حسوما " نحسات حسمت كل خير واستأصلت كل بركة . أو متتابعة هبوب الرياح : ما خفت ساعة حتى أتت عليهم تمثيلا لتتابعها بتتابع فعل الحاسم في إعادة الكي على الداء كرة بعد أخرى حتى ينحسم . وإن كان مصدرا : فإما أن ينتصب بفعله مضمرا أي : تحسم حسوما بمعنى تستأصل استئصالا . أو يكون صفة كقولك : ذات حسوم . أو يكون مفعولا له أي : سخرها عليهم للاستئصال . وقال عبد العزيز بن زارة الكلابي : .
ففرق بين بينهم زمان ... تتابع فيه أعوام حسوم .
وقرأ السدي حسوما بالفتح حالا من الريح أي : سخرها عليهم مستأصلة .
وقيل : هي أيام العجوز ؛ وذلك أن عجوزا من عاد توارت في سرب فانتزعتها الريح في اليوم الثامن فأهلكتها . وقيل : هي أيام العجز وهي آخر الشتاء : وأسماؤها : الصن والصنبر والوبر . والآمر والمؤتمر والمعلل ومطفئ الجمر . وقيل : مكفئ الظعن ومعنى " سخرها عليهم " سلطها عليهم كما شاء " فيها " في مهابها . أو في الليالي والأيام . وقرئ : أعجاز نخيل " من باقية " من بقية أو من نفس باقية . أو من بقاء كالطاغية : بمعنى الطغيان .
" وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذه رابية " " ومن قبله " يريد : ومن عنده من تباعه . وقرئ : ومن قبله أي : ومن تقدمه .
وتعضد الأولى قراءة عبد الله وأي ومن معه وقراءة أبي موسى : ومن تلقاءه " والمؤتفكات " قرى قوم لوط " بالخاطئة " بالخطأ . أو بالفعلة أو الأفعال ذات الخطأ العظيم " رابية " شديدة زائدة في الشدة كما زادت قبائحهم في القبح . يقال : ربا الشيء يربو : إذا زاد " ليربو في أموال الناس " الروم : 39 .
" إنا لما طغا الماء حملناكم في الجارية لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية "