" خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين فليس له اليوم ههنا حميم ولا طعام إلا من غسلين لا يأكله إلا الخطئون " " ثم الجحيم صلوه " ثم لا تصلوه إلا الجحيم وهي النار العظمى لأنه كان سلطانا يتعظم على الناس . يقال : صلى النار وصلاه النار . سلكه في السلسلة : أن تلوى على جسده حتى تلتف عليه أثناؤها ؛ وهو فيما بينها مرهق مضيق عليه لا يقدر على حركة ؛ وجعلها سبعين ذراعا إرادة الوصف بالطول كما قال : " إن تستغفر لهم سبعين مرة " التوبة : 80 ، يريد : مرات كثيرة لأنها إذا طالت كان الإرهاق أشد . والمعنى في تقديم السلسلة على السلك : مثله في تقديم الجحيم على التصلية . أي : لا تسلكوه إلا في هذه السلسلة كأنها أفظع من سائر مواضع الإرهاق في الجحيم . ومعنى " ثم " الدلالة على تفاوت ما بين الغل والتصلية بالجحيم وما بينها وبين السلك في السلسلة لا على تراخي المدة إنه تعليل على طريق الاستئناف وهو أبلغ ؛ كأنه قيل : ما له يعذب هذا العذاب الشديد ؟ فأجيب بذلك . وفي قوله : " ولا يحصن على طعام المسكين " دليلان قويان على عظم الجرم في حرمان المسكين أحدهما : عطفه على الكفر وجعله قرينة له . والثاني : ذكر الحض دون الفعل ليعلم أن تارك الحض بهذه المنزلة فكيف يتارك الفعل وما أحسن قول القائل : .
إذا نزل الأضياف كان عذورا ... على الحي حتى تستقل مراجله .
يريد حضهم على القرى واستعجلهم وتشاكس علهم . وعن أبي الدرداء أن كان يحض امرأته على كثير المرق لأجل المساكين وكان يقول : خلعنا نصف السلسلة بالإيمان أفلا نخلع نصفها الآخر ؟ وقيل : هو منع الكفار . وقولهم : " أنطعم من لو يشاء الله أطعمه " يس : 47 والمعنى على بذل طعام المسكين " حميم " قريب يدفع عنه ويحزن عليه لأنهم يتحامونه وفرون منه كقوله : " ولا يسأل حميم حميما " المعارج : 10 ، والغسلين : غسالة أهل النار وما يسيل من أبدانهم من الصديد والدم ؛ فعلين من الغسل " الخاطئون " الآثمون أصحاب الخطايا . وخطئ الرجل : إذا تعمد الذنب وهم المشركون : عن ابن عباس : وقرئ : الخاطيون بإبدال الهمزة ياء والخاطون بطرحها .
وعن ابن عباس : ما الخاطون ؟ كلنا نخطو وروى عنه أبو الأسود الدؤلي : ما الخاطون ؟ إنما هو الخاطئون ؛ ما الصابون ؟ إنما هو الصابئون : ويجوز أن يراد : الذين يتخطون الحق إلى الباطل ويتعدون حدود الله .
" فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون إنه لقول رسول كريم وما هو يقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا يقول كاهن قليلا ما تذكرون تنزيل من رب العالمين " هو إقسام بالأشياء كلها على الشمول والإحاطة لأنها لا تخرج من قسمين : مبصر وغير مبصر وغير مبصر . وقيل : الدنيا والآخرة والأجسام والأرواح والإنس والجن والخلق والخالق ولنعم الظاهرة والباطنة إن هذا القرآن " لقول رسول كريم " أي يقوله ويتكلم به على وجه الرسالة من عند الله " وما هو بقول شاعر " ولا كاهن كما تدعون والقلة في معنى العدم . أي : لا تؤمنون ولا تذكرون ألبتة . والمعنى : ما أكفركم وما أغفلكم " تنزيل " أي : هو تنزيل . بيانا لأنه قول رسول نزل عليه " من رب العالمين " وقرأ أبو السمال : تنزيلا أي نزل تنزيلا . وقيل : الرسول الكريم جبريل عليه السلام . وقوله : " وما هوبقول شاعر " دليل على أنه محمد A : لأن المعنى على إثبات أنه رسول لا شاعر ولا كاهن .
" ولو تقول هلينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمن ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين وإنه لتذكره للمتقين وإنا لنعلم أن منكم مكذبين وإنه لحسرة على لكفرين وإنه لحق اليقين فسبح باسم ربك العظيم "