أنه لما نزل قال رسول الله A : الله أكبر فكبرت خديجة وفرحت وأيقنت أنه الوحي ؛ وقد يحمل على تكبير الصلاة ودخلت الفاء لمعنى الشرط كأنه قيل : وما كان فلا تدع تكبيره " وثيابك فطهر " أمر بأن تكون ثيابه طاهرة من النجاسات ؛ لأن طهارة الثياب شرط في الصلاة لا تصح إلا بها وهي الأولى والأحب في غير الصلاة وقبيح بالمؤمن الطبيب أن يحمل خبثا . وقيل : هو أمر بتقصيرها ومخالفة العرب في تطويلهم الثياب وجرهم الذيول وذلك ما لا يؤمن معه إصابة النجاسة . وقيل : هو أمر بتطهير النفس مما يستقذر من الأفعال ويستهجن من العادات . يقال : فلان طاهر الثياب وطاهر الجيب والذيل والأردان إذا وصفوه بالنقاء من المعايب ومدانس الأخلاق . وفلان دنس الثياب للغادر ؛ وذلك لأن الثوب يلابس الإنسان ويشتمل عليه فكنى به عنه . ألا ترى إلى قولهم : أعجبني زيد ثوبه كما يقولون : أعجبني زيد عقله وخلقه ويقولون : المجد في ثوبه والكرم تحت حلته ؛ ولأن الغالب أن من طهر باطنه ونقاه عنى بتطهير الظاهر وتنقية وأبى إلا اجتناب الخبث وإيثار الطهر في كل شيء والرجز قرئ بالكسر والضم وهو العذاب ومعناه : اهجر ما يؤدي إليه من عبادة الأوثان وغيرها من المآثم . والمعنى الثبات على هجره ؛ لأنه كان بريئا منه .
" ولا تمنن تستكثر ولربك فاصر " قرأ الحسن ولا تمن وتستكثر مرفوع منصوب المحل على الحال أي : ولا نعط مستكثرا رائيا لما تعطيه كثيرا أو طالبا للكثيرك نهى عن الاستغزار : وهو أن يهب شيئا وهو يطمع أن يتعوض من الموهوب له أكثر من لموهوب وهذا جائز . ومنه الحديث : المستغزر يثاب من هبته وفيه وجهان احدهما : ان يكون نهيا خاصا برسول الله A ؛ لأن الله تعالى اختار له أشرف الآداب وأحسن الأخلاق والثاني : أن يكون نهى تنزيه لا تحريم له ولأمته وقرأ الحسن تستكثر بالسكون . وفيه ثىلاثة أوجه : الإدال من تمنن . كأنه قيل : ولا تمنن لا تستكثر ؛ على أنه من المن في قوله D : " ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى " البقرة : 262 لأن من شأن المنان بما يعطي أن يستكثره أي : يراه كثيرا ويعتد به وأن يشبه ثرو بعضد فيسكن تخفيفا وأن يعتبر حال الوقف . وقرأ الأعمش بالنصب بإضمار أن كقوله : .
ألا أيهذا الزاجرى أحضر الوغى .
وتؤيده قراءة ابن مسعود ولا تمنن أن تستكثر ويجوز في الرفع أن تحذف أن ويبطل عملها كما روي : احضر الوغى بالرفع " ولربك فاصبر " ولوجه الله فاستعمل الصبر . وقيل : على أذى المشركين . وقيل : على أداء الفرائض . وعن النخعي : على عطيتك كأنه وصله بما قبله وجعله صبرا على العطاء من غير استكثار والوجه أن يكون أمرا بنفس الفعل وأن يتناول على العموم كل مصبور عليه ومصبور عنه ويراد الصبر على أذى الكفار ؛ لأنه أحد ما يتناوله العام .
" فإذا نقر في الناقور فذالك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير " والفاء في قوله : " فإذا نقر " للتسبيب كأنه قال : اصبر على أذاهم فبين أيديهم يوم عسير يلقون فيه عاقبة أذاهم وتلقى فيه عاقبة صبرك عليه . والفاء في " فذالك " للجزاء فإن قلت : بم انتصب إذا وكيف صح أن يقع " يومئذ " ظرفا ليوم عسير ؟ قلت : انتصب إذا بما دل عليه الجزاء لأن المعنى : فإذا نقر في الناقور عسر الأمر على الكافرين والذي أجاز وقوع " يومئذ " ظرفا ليوم عسير : ان المعنى : فذلك وقت النقر وقوع يوم عسير لأن يوم القيامة يأتي وقع حين ينقر في الناقور . واختلف في أنها النفخة الولى أم الثانية . ويجوز أن يكون يومئذ مبنيا مرفوع المحل بدلا من " ذلك " و " يوم عسير " خبر كأنه قيل : فيوم النقر يوم عسير . فإن قلت : فما فائدة قوله : " غير يسير " و ط عسير " مغن عنه ؟ قلت : لما قال : " على الكافرين " فقصر العسر عليهم قال : " غير يسير " ليؤذن بأن لا يكون عليهم كما يكون على المؤمنين يسيرا هينا ليجمع بين وعيد الكافرين وزيادة غيظهم وبشارة المؤمنين وتسليتهم ويجوز أن يراد أنه عسير لا يرجى أن يرجع يسيرا كما يرجى تيسر العسير من أمور الدنيا