تكرير الضمير بعد إيقاعه إسما لان : تاكيد على تأكيد لمعنى اختصاص الل بالتزيل ليتقرر في نفس رسول الله A أنه إذا كان هو المنزل لم يكن تزيله على أي وجه نزل إلا حكمة وصوابا كأنه قيل : ما نزل عليك القرآن تنزيلا مفرقا منجما إلا أنا لا غيري عرفتني حكيما فاعلا لكل ما أفعله بدواعي الحكمة ؛ ولقد دعني حكمة بالغة إلى أن أنزل عليك الأمر بالمكافة والمصابرة وسأنزل عليك الأمر بالقتال والانتقام بعد حين " فاصبر لحكم ربك " الصادر عن الحكمة وتعليقه الأمور بالمصالح وتأخيره نصرتك على أعدائك من اهل مكة ؛ ولا تطع منهم أحدا قلة صبر منك على أذاهم وضجرا من تأخر الظفر وكانوا مع إفراطهم في العداوة والإيذاء له ولمن معه يدعونه إلى أن يرجع عن أمره ويبذلون له أموالهم وتزويج أكرم بناتهم إن اجابهم . فإن قلت : كانوا كلهم كفرة فما معنى القسمة في قوله " أثما أو كفورا " ؟ قلت : معناه ولا تطع منهم راكبا لما هو إثم داعيا لك إليه أو فاعلا لما هو كفر داعيا لك إليه ؛ لأنهم إما أن يدعوه إلى مساعدتهم على فعل هو إثم أو كفر أو غير إثم ولا كفر فنهي أن يساعدهم على الاثنين دون الثالث . وقيل : الآثم عتبة ؛ والكفور : الوليد ؛ لأن عتبة كان ركابا للمآثم متعاطيا لأنواع الفسوق ؛ وكان الوليد غاليا في الكفر شديد الشكيمة في العتو . فإن قلت : معنى أو : ولا تطع احدهما فهلا جيء بالواو ليكون نهيا عن طاعتهما جميعا ؟ قلت : لو قيل : ولا تطعهما جاز أن يطيع أحدهما ؛ وإذا قيل : لا تطع أحدهما علم أن الناهي عن طاعة أحدهما : عن طاعتهما جميعا أنهى . كما إذا نهى أن يقول لأبويه : أف علم أنه منهي عن ضربهما على طريق الأولى " واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا " ودم على صلاة الفجر والعصر " ومن اليل فاسجد له " وبعض الليل فصل له . أو يعني صلاة المغرب والعشاء وأدخل من على الظرف للتبعيض كما دخل على المفعول في قوله : " يغفر لكم من ذنوبكم " نوح : 4 ، " وسبحه ليلا طويلا " وتهجد له هزيعا طويلا من الليل : ثلثيه أو نصفه أو ثلثه .
" إن هؤلاء يحبون العاجلةويذرون وراءهم يوما ثقيلا نحن خلقناهم وشددنا أسرهم وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا " " إن هؤلاء " الكفرة " يحبون العاجلة " يؤثرونها على الآخرة كقوله : " بل تؤثرون الحياة الدنيا " الأعلى : 16 ، " وراءهم " قدامهم أو خلف ظهورهم لا يعبأون به " يوما ثقيلا " استعير الثقيل لشدته وهوله من الشيء الثقيل الباهظ لحامله . ونحوه : " ثقلت في السموات والأرض " الأعراف : 187 ، الأسر : الربط والتوثيق . ومنه : أسر الرجل إذا وثق بالقد وهو الإسار . وفرس مأسور الخلق . وترس مأسور بالعقب . والمعنى : شدنا توصيل عظامهم بعضها ببعض وتوثيق مفاصلهم بالأعصاب . ومثله قولهم : جارية معصوبة الخلق ومجدولته " وإذا شئنا " أهلكناهم و " بدلنا أمثالهم " في شدة الأسر يعني : النشأة الأخرى . وقيل : معناه : بدلنا غيرهم ممن يطيع . وحقه ان يجيء بإن لا بإذا كقوله " وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم " محمد : 38 ، " إن يشأ يذهبكم " النساء : 133 .
" إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا وما تشاؤن إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أيما " " هذه " إشارة إلى السورة أو إلى الآيات القريبة " فمن شاء " فمن اختار الخير لنفسه وحسن العاقبة واتخاذ السبيل إلى الله عبارة عن التقرب إليه والتوسل بالطاعة " ومايشاؤن " الطاعة " إلا أن يشاء الله " بقسرهم عليها " إن الله كان عليما " بأحوالهم وما يكون منهم " حكيما " حيث خلقهم مع علمه بهم . وقرئ تشاؤن بالتاء . فإن قلت : ما محل أن يشاء الله ؟ قلت النصب على الظرف وأصله : إلا وقت مشيئة الله وكذلك قراءة ابن مسعود : إلا ما يشاء الله ؛ لأن ما مع الفعل كأن معه " يدخل من يشاء " هم المؤمنون ونصب " والظالمين " بفعل يفسره . اعد لهم نحو : أو عد وكافأ وما أشبه ذلك وقرأ ابن مسعود : وللظالمين على : وأعد للظالمين وقرأ ابن الزبير : والظالمون على الابتداء وغيرها أولى لذهاب الطباق بين الجملة المعطوفة والمعطوف عليها فيها مع مخالفتها للمصحف .
عن رسول الله A : من قرأ سورة هل أتى كان جزاؤه على الله جنة وحريرا .
سورة المرسلات