مكية وآياتها خمسون .
بسم اله الرحمن الرحيم .
" والمرسلات عرفا فاعاصفات عصف والناشرات نشرا قالارقات فرقا فالملقيات ذكرا عذرا أو نذرا " أقسم سبحانه بطوائف من الملائكة أرسلهن بأوامره فعصفن في مضيهن كما تعصف الرياح تخففا في امتثال أمره وبطوائف منهم نشرن أجنحتهن في الجو عن انحطاطن بالوحي . أو نشرن الشرائع في الأرض . أو نشرن النفوس الموتى بالكفر والجهل بما أوحين ففرقن بين الحق والباطل فألقين ذكرا إلى الأنبياء " عذرا " للمحقين " أو نذرا ط للمبكلين . أو أقسم برياح عذاب أرسلهن . فعصفن وبرياح رحمة نشرن السحاب في الجو ففرقن بينه كقوله : " ويجعله كسفا " الروم : 48 ، أو بسحائب نشرن الموات ففرقن بين من يشكر لله تعالى وبين من يكفر كقوله : " لأسقيناهم ماء غدا لنفتنهم فيه " الجن : 16 فألقين ذكرا إما للذين يعتذرون إلى الله بتوبتهم واستغفارهم إذا رأوا نعمة الله في الغيث ويشكرونها وإما إنذارا للذين يغفلون الشكر لله وينسبون ذلك إلى الأنواء وجعلن ملقيات للذكر لكونهن سببا في حصوله إذا شكرت النعمة فيهن أو كفرت . فإن قلت : ما معنى عرفا ؟ قلت : متتابعة كشعر العرف يقال : جاؤا عرفا واحدا ؛ وهم عليه كعرف الضبع : إذا تألبوا عليه ويكون بمعنى العرف الذي هو نقيض النكر ؛ وانتصابه على أنه مفعول له أي : أرسلن للإحسان والمعروف ؛ والأول على الحال . وقرئ عرفا على التثقيل نحو نكر في نكر . فإن قلت : قد فسرت المرسلات بملائكة العذاب فكيف إرسالهم معروفا ؟ قلت : إن لم يكن معروفا للكفار فإنه معروف للأنبياء والمؤمنين الذين انتقم الله لهم منهم . فإن قلت : ما العذر والنذر وبما انتصبا ؟ قلت : هما مصدران من أعذار إذا محا الإساءة ومن أنذر إذا خوف على فعل كالكفر والشكر يجوز أن يكون جمع عذير بمعنى المعذرة ؛ وجمع نذير بمعنى الإنذار . أو بمعنى العاذر والمنذر . وأما انتصابهما فعلى البدل من ذكرا على الوجهين الأولين أو على المفعول له . وأما على الوجه الثالث فعلى الحال بمعنى عاذرين أو منذرين . وقرئا : مخففين ومثقلين .
" إنما توعدون لواقع فإذا النجوم طمست وإذا السماء فرجت وإذا الجبال نسفت وإذا الرسل أقتت لأي يوم أجلت ليوم الفصل وما أدراك ما يوم الفصل ويل يومئذ للمكذبين " إن الذي توعدونه من مجيء يوم القامة لكائن نازل لا ريب فيه وهو جواب القسم وعن بعضهم : أن المعنى : ورب المرسلات " طمست " محيت ومحقت . وقيل ذهب بنورها ومحق ذواتها موافق لقوله " انتثرت " و " انكدرت " ويجوز أن يمحق نورها ثم تنتثر ممحوقة النور " فرجت " فتحت فكانت أبوابا . قال الفارجي : باب الأمير المبهم " نسفت " كالحب إذا نسف بالمنسف . ونحوه " وبست الجبال بسا " الواقعة : 5 ، " وكانت الجبال كثيبا مهيلا " المزمل : 14 ، وقيل : أخذت بسرعة من أماكنها من انتسفت الشيء إذا اختطفته وقرئت كمست وفرجت ونسفت مشددة . قرئ أقتت وقتت بالتشديد والتخفيف فيهما . والأصل : الواو ومعنى توقيت الرسل : تبين وقتها الذي يحضرون فيه للشهادة على أممهم . والتأجيل : من الأجل كالتوقيت : من الوقت " لأي يوم أجلت " تعظيم لليوم وتعجيب من هوله " ليوم الفصل " بيان ليوم التأجيل وهو اليوم الذي يفصل فيه بين الخلائق . والوجه أن يكون معنى وقتت : بلغت ميقاتها الذي كانت تنتظره : وهو يوم القيامة . وأجلت : أخرت . فإن قلت : كيف وقع النكرة مبتدأ في قوله : " ويل يومئذ للمكذبين " ؟ قلت : هو أصله مصدر منصوب ساد مسد فعله ولكنه عدل به إلى الرفع للدلالة على معنى ثبات الهلاك ودوامه للمدعو عليه . ونحوه " سلام عليكم " النعام : 54 ، ويجوز : ويلا بالنصب ؛ ولكنه لم يقرأ يه . يقال : ويلا له ويلا كيلا .
" ألم نهلك الأولين ثم نتبعهم الأخرين كذالك نفعل بالمجرمين ويل يومئذ للمكذبين " قرأ قتادة نهلك بفتح النون من هلكه بمعنى أهلكه قال العجاج : ومهمة هالك من تعرجا