" ثم نتبعهم " بالرفع على الاستئناف وهو وهعيد لأهل مكة يريد : ثم نفعل بأمثالهم من الآخرين مثل ما فعلنا بالأولين ونسلك بهم سبيلهم لأنهم كذبوا مثل تكذيبهم ويقويها قراءة ابن مسعود ثم سنتبعهم وقرئ بالجزم للعطف على نهلك . ومعناه : أنه أهلك الأولين من قوم نوح وعاد وثمود ثم أتبعهم الآخرين من قوم شعيب ولوط وموسى " كذالك " مثل ذلك الفعل الشنيع " نفعل " بكل من أجرم إنذارا وتحذيرا من عاقبة الجرم وسوء أثره .
" ألم نخلقكم من ماء مهين فجعلناه في قرار مكين إلى قدر معلوم فقدرنا فنعم القادرون ويل يومئذ للمكذبين " " إلى قدر معلوم " إلى مقدار من الوقت معلوم قد علمه الله وحكم به : وهو تسعة الأشهر وأما دونها او ما فوقها " فقدرنا " فقدرنا ذلك تقديرا " فنعم القادرون " فنعم المقدرون له نحن . او فقدرنا على ذلك فنعم القدرون عليه نحن ؛ والأول أولى لقراءة من قرأ فقدرنا بالتشديد ولقوله " من نطفة خلقه فقدره " عبس : 19 .
" ألم تجعل الأرض كفاتا أحياء وأموانا وجعلنا فيها رواسي شامخات وأسقيناكم ماء فراتا ويل يومئذ للمكذبين " الكفات : من كفت الشيء إذا ضمه وجمعه : وهو اسم ما يكفت كقولهم : الضمام والجماع لما يضم ويجمع يقال : هذا الباب جماع الأبواب وبه انصب " أحياء وأمواتا " كأنه قيل : كافتة أحياء وأمواتا . وبفعل مضمر يدل عليه وهو تكفت . والمعنى : تكفت أحياء على ظهرها وأمواتا في بطنها . وقد استدل بعض أصحاب الشافعي C على قطع النباس بأن الله تعلى جعل الأرض كفاتا للأموات فكان بطنها حرزا لهم ؛ فالنباش سارق من الحرز . فإن قلت : لم قيل أحياء وأمواتا على التنكير وهي كفات الأحياء والأموات جميعا ؟ قلت : هو من تنكير التفخيم كانه قيل : تكفت أحياء لا يعدون وأمواتا لا يحصرون على أن أحياء الإنس وأمواتهم ليسوا بجميع الأحياء والأموات . ويجوز أن يكون المعنى : تكفتكم أحياء وأموتا فينتصبا على الحال من الضمير ؛ لأنه قد علم أنها كفات الإنس . فإن قلت : فالتكير في " رواسي شمخات " و " ماء فراتا " ؟ قلت : يحتمل إفادة التبعيض ؛ لأن في السماء جبالا قال الله تعالى : " وننزل من السماء من جبال فيها من برد " النور : 43 ، وفيها ماء فرات أيضا بل هي معدنه ومصبه وان يكون للتفخيم .
" انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون انطلقوا إلى ظل ذى ثلاث شعب لا ظليل ولا يغنى من اللهب إنها ترمى بشرر كالقصر كأنه جمالت صفر ويل يومئذ للمكذبين هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون ويل يومئذ للمكذبين " أي يقال لهم : انطلقوا إلى ما كذبتم به من العذاب وانطلقوا الثاني تكرير . وقرئ : انطلقوا على لفظ الماضي إخبارا بعد الأمر عن عملهم بموجبه لأنهم مضطرون إليه لا يستطيعون امتناعا منه " إلى ظل ط يعني دخان جهنم كقوله : " وظل من يحموم " الواقعة : 43 " ذي ثلاث شعب " بتشعب لعظمه ثلاث شعب وهكذا الدخان العظيم تراه يتفرق ذوائب . وقيل : يخرج لسان من النار فيحيط بالكفار كالسرادق ويتشعب من دخانها ثلاث شعب فتظلهم حتى يفرغ من حسابهم ؛ والمؤمنون في ظل العرش " لا ظليل " تهكم بهم وتعريض بأن ظلهم غير ظل المؤمنين " ولا يغنى " في محل الجر أي : وغير مغن عنهم من حر اللهب شيئا " بشرر " وقرئ : بشرار " كالقصر " أي كل شررة كالقصر من القصور في عظمها . وقيل : هو الغليظ من الشجر الواحدة قصرة نحو : جمرة وجمر . وقرئ كالقصر بفتحتين : وهي أعناق الإبل أو أعناق النخل نحو شجرة وشجر . وقرأ ابن مسعود : كالقصر بمعنى القصور كرهن ورهن . وقرأ سعيد ابن جبير كالقصر في جمع قصرة كحاجة وحوج " جمالت " جمع جمال . أو جمالة جمع جمل ؛ شبهت بالقصور ثم بالجمال لبيان التشبيه . ألا تراهم يشبهون الإبل بالأفدان والمجادل . وقرئ جمالات بالضم : وهي قلوس الجسور . وقيل : قلوس سفن البحر الواحدة جمالة وقرئ جمالة بالكسر بمعنى : جمال وجمالة بالضم : وهي القلس . وقيل " صفر " لإرادة الجنس . وقيل " صفر " سود تضرب إلى الصفرة . وفي شعر عمران بن حطان الخارجي : .
دعنهم بأعلى صوتها ورمتهم ... بمثل الجمال الصفر نزاعة الشوى .
وقال أبو العلاء : .
حمراء ساطعة الذوائب في الدجى ... ترمى بكل شرارة كطراف