والاستعمال الكثيرعلى الحذف والأصل : قليل ومعنى هذا الاستفهام : تفخيم الشأن كأنه قال عن أي شأن يتاءلون ونحوه ما في قولك : زيد ما زيد ؟ جعلته لانقطاع قرينه وعدم نظيره كأنه شيء خفي هليك جنسه فأنت تسأل عن جنسه وتفحص عن جوهره كما تقول : ما الغول وما العنقاء ؟ تريد : أي شيء هو من الأشياء هذا أصله ؛ ثم جرد العبارة عن التفخيم حتى وقع في كلام من لا تخفى عليه خافية " يتساءلون " يسأل بعضهم بعضا . أو يتساءلون غيرهم من رسول الله A والمؤمنين نحو : يتداعونهم ويتراءونهم . والضمير لأهل مكة : كانوا يتساءلون فيما بينهم عن البعث ويتساءلون غيرهم عنه على طريق الاستهزاء " عن النبإ العظيم " بيان للشأن المفخم . وعن ابن كثير أنه قأ عمه بهاء السكت ولا يخلو : إما ان يجري الوصل مجرى الوقوف وإما أن يقف ويبتدئ " يتساءلون عن النبإ العظيم " على أن يضمر " يتساءلون " لأن ما بعده يفسره كشيء يبهم ثم يفسر . فإن قلت : قد زعمت أن الضمير في يتساءلونللكفار . فما تصنع بقوله " هم فيه مختلفون " ؟ قلت : كان فيهم من يقطع القول بإنكار البعث ومنهم من يشك . وقيل : الضمير للمسلمين والكافرين جميعا وكانوا جميعا يسألون عنه . أما المسلم فليزداد خشية واستعدادا وأما الكافر فليزداد استهزاء . وقيل : المتساءل عنه القرآن . وقيل : نبوة محمد A . وقرئ يساءلون بالإدغام وستعلمون بالتاء .
" كلا سيعلمون ثم كلا سعلمون " " كلا " ردع للمتسائلين هزؤا . و " سيعلمون " وعيد لهم بأنهم سوف يعلمون أن ما يتساءلون عنه ويضحكون منه حق لأنه واقع لا ريب فيه . وتكرير الردع مع الوعيد تشديد في ذلك ومعنى " ثم " الإشعار بأن الوعيد الثاني أبلغ من الأول وأشد .
" ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا وخلقناكم أزواجا وجعلنا نومكم سباتا وجعلنا اليل لباسا وجعلنا النهار معاشا وبنينا فوكم سبعا شدادا وجعلنا سراجا وهاجا وأنزلنا من المعصرت ماء ثجاجا لنخرج به حبا ونباتا وجنات ألفافا " فإن قلت : كيف اتصل به قوله : " ألم نجعل الأرض مهادا " قلت : لما أنكروا البعث قيل لهم : ألم يخلق من يضاف إليه البعث هذه الخلائق العجيبة الدالة على كمال القدرة فما وجه إنكار قدرته على البعث وما هو إلا اختراع كهذه الاختراعات أو قيل لهم : ألم يفعل هذه الأفعال المتكاثرة . والحكيم لا يفعل فعلا عبثا وما تنكرونه من البعث والجزاءء مؤد إلى انه عابث في كل ما فعل " مهادا " فراشا . وقرئ مهدا ومعناه : أنها لهم كالمهد للصبي : وهو ما يمهد له فينوم عليه تسمية للممهود بالمصدر كضرب الأمير . أو وصف بالمصدر . أو بمعنى : ذات مهد أي أرسناها بالجبال كما يرسى البيت بالأوتاد " سباتا " موتا . والمسبوت . الميت من السبت وهو القطع ؛ لأنه مقطوع عن الحركة . والنوم : احد التوفيين وهو على بناء الأدواء . ولما جعل النوم موتا جعل اليقظة معاشا أي : حياة في قوله : " وجعلنا النهار معاشا " النبأ : 11 ، أي : وقت معاش تستقظون فيه وتتقلبون في حوائجكم وكاسبكم . وقيل : السبات الراحة " لباسا " يستركم عن العيون إذا أردتم هربا من عو أو بيتا له . أو إخفاء ما لا تحبون الاطلاع عليه من كيثر من الأمور .
وكم لظلام الليل عندك من يد ... تخبر أن المانوية تكذب