" إن علينا للهدى " إن الإرشاد إلى الحق واجب علينا بنصب الدلائل وبيان الشرائع " وإن لنا الأخرة والأولى " أي : ثواب الدارين للمهتدي كقوله : " وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين " العنكبوت : 27 " فأنذرتكم نارا تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى وسيجنبها الأتقى الذي يؤتى ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى " وقرأ أبو الزبير : تتلظى فإن قلت : كيف قال : " لا يصلاها إلا الأشقى... وسيجنبها الأتقى " ؟ وقد علم أن كل شقي يصلاها وكل تقي يجنبها لا يختص بالصلي أشقى الأشقياء ولا بالنجاة أتقى الأتقياء وإن زعمت أنه نكر النار فأراد منارا بعينها مخصوصة بالأشقى فما تصنع بقوله : " وسيجنيها الأتقى " ؟ فقد علم أن أفسق المسلمين يجنب تلك النار المخصوصة لا الأتقى منهم خاصة ؟ قلت : الآية واردة في الموازنة بين حالتي عظيم من المشركين وعظيم من المؤمنين فأريد أن يبالغ في صفتيهما المتنا قضين فقيل : الأشقى وجعل مختصا بالصلي كأن النار لم تخلق إلا له . وقيل : الأتقى وجعل مختصا بالنجاة كأن الجنة لم تخلق إلا له . وقيل : هما أبو جهل أو أمية بن خلف وأبو بكر Bه " " يتزكى " من الزكاء . أي : يطلب أن يكون عند الله زاكيا لا يريد به رياء ولا سمعة . أو يتفعل من الزكاة . فإن قلت : ما محل يتزكى ؟ قلت : هو على وجهين : إن جعلته بدلا من " يؤتى " فلا محل له ؛ لأنه داخل في حكم الصلة والصلات لا محل لها وإن جعلته حالا من الضمير من " يؤتى " فمحله النصب " ابتغاء وجه ربه " مستثنى من غير جنسه وهو النعمة أي : ما لأحد عنده نعمة إلا ابتغاء وجه ربه كقولك : مافي الدار أحد إلا حمارا . وقرأ يحيى بن وثاب : إلا ابتغاء وجه ربه بالرفع : على لغة من يقول : ما في الدار احد ألا حمار وأنشد في اللغتين قول بشر بن أبي حازم : .
أضحت خلاء قفارا لا أنيس بها ... إلا الجاذر والظلمان تختلف .
وقول القائل .
وبلدة ليس بها أنيس ... إلا اليعافير وإلا العيس .
ويجوز أن يكون " ابتغاء وجه ربه " مفعولا له على المعنى لن معنى الكلام : لا يؤتي ماله إلا ابتغاء وجه ربه لا لمكافأة نعمة " ولسوف يرضى " موعد بالثواب الذي يرضيه ويقر عينه .
وعن رسول الله صلى اله عليه وسلم : من قرأ سورة والليل أعطاه الله حتى يرضى وعافاه من العسر ويسر له اليسر .
سورة الضحى .
مكية وآياتها إحدى عشرة .
بسم الله الرحمان الرحيم " والضحى واليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى " لمراد بالضحى : وقت الضحى وهو صدر النهار حتى ترتفع الشمس وتلقي شعاعها . وقيل : إنما خص وقت الضحى بالقسم لأنها الساعة التي كلم فيها موسى عليه السلام وألقي فيها السحرة سجدا لقوزله : " وأن يحشر الناس ضحى " طه : 59 وقيل : أريد بالضحى : النهار بيانه قوله : " أن يأتيهام بأسنا ضحى " الأعراف : 98 في مقابلة بياتا . " سجى " سكن وركد ظلامه . وقيل : ليلة ساجية ساكنة الريح . وقيل معناه سكون الناس والأصوات فيه . وسبحا البحر : سكنت أمواجه . وطرف ساج : ساكن فاتر ما ودعك جواب القسم . ومعناه : ما قطعك قطع المودع . وقرئ بالتخفيف يعني : ماتركك . قال : .
وثم ودعنا آل عمرو وعامر ... فرائس أطراف المثقفة السمر .
والتوديع : مبالغة في الودع ؛ لأن من ودعك مفارقا فقد بالغ في تركك . روي : أن الوحي قد تأخر عن رسول الله A أياما فقال المشركون : إن محمدا ودعه ربه وقلاه . وقيل : أن أم جمل امرأة أبي لهب قالت له : يا محمد ما رأى شيطانك إلا قد تركك فنزلت . حذف الضمير من " قلى " كحذفه من الذاكرات في قوله : " والذاكرين الله كثيرا والذاكرات " الأحزاب : 35 يريد : والذاكراته ونحوه : فآوى...فهدى...فأغنى وهو اختصار لفظي لظهور المحذوف .
" وللأخرة لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى "